لجمع القران معنيان:
الأول: حفظه عن ظهر قلب.
والثانى: كتابته.
إذن فالجمع بمعنى حفظ القرآن فى الصدر أمر ضمنه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {إن علينا جمعه وقرآنه} القيامة:17.
وأمر الله النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} المائدة:67، أما البلاغ العام فإنما هو بالتواتر (1) وقد حصل. ولذلك وجب على الأمة أن تحفظه فى عدد التواتر على الأقل فى مجموعها، وضمن الله تعالى تحقق ذلك حيث قال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر:9.
وقد أجمعت الأمة على أن المراد بقوله تعالى: لحافظون. أى حفظه على المكلفين للعمل به، وحراسته من وجوه الغلط والخلط (3)، وهذا الحفظ إنما يتحقق بالتواتر (3) ولا حصر للأدلة الدالة على أن القرآن جمع بهذا المعنى، وعلى هذا المستوى (4).
وأقل ما يتيسر للمتطلع أن يلاحظ الواقع التاريخى منذ قيامه صلى الله عليه وسلم وبتبليغ القرآن وإقرائه وإقراء الصحابة بعضهم لبعض وهكذا. نجد السادة عثمان بن عفان وعلى ابن أبى طالب وأبى بن كعب وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبا موسى الأشعرى وأبا الدرداء.
وممن جمعه معاذ بن جبل وأبو زيد وسالم مولى أبى حذيفة وابن عمر وعتبة ابن عامر.
وعرضه على بعض هؤلاء أبو هريرة وابن عباس وعبد الله بن السائب، والمغيرة بن شهاب المخزومى والأسود بن يزيد النخعى وعلقمة بن قيس وأبو عبد الرحمن السلمى وأبو العالية الرياحى.
وكان عند أبى الدرداء نيف وستمائة وألف يتعلمون القرآن، على كل عشرة منهم مقرئ.
ولما كان الصوت فى هذا الجمع عنصرا فى تحصيله وضبطه لا غنى عنه فإننا نذكر الجمع الصوتى للقرآن فنقول: الجمع الصوتى الأول للقرآن الكريم أو المصحف المرتل كان له بواعثه ومخططاته وشرحها لنا تفصيلا الدكتور لبيب السعيد (5)، وهكذا أصبحنا نسمع القرآن الكريم المجمع صوتيا من مختلف الإذاعات فى العالم الإسلامى وبأصوات القراء الكثيرين وببعض الروايات المشهورة.
وجمع القرآن بمعنى كتابته وقع ثلاث مرات مشهورة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وصحابته رضى الله عنهم:
المرة الأولى: كانت بإملاء النبى صلى الله عليه وسلم وكان يأمر الكاتب أن يقرأ ما كتب حتى يقوم ما قد يكون من زلل فى حرف. ومن ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أمر بكتابة قوله تعالى: (لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فى سبيل الله). وكان ابن أم مكتوم الأعمى حاضرا يسمع فقال: يارسول الله فما تأمرنى؟ فإنى رجل ضرير البصر، فنزلت مكانها: {لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر} النساء:95.
المرة الثانية: فى عهد سيدنا أبى بكر رضى الله عنه لما كثر الشهداء من القراء فى موقعة اليمامة فخشى ضياغ شىء من القرآن بموتهم فتألفت لجنة برئاسة زيد بن ثابت واستحضروا ما فى بيوت زوجات النبى صلى الله عليه وسلم وما مع الصحابة، واستشهدوا على ما جاء به كل واحد أنه كتب بحضرة النبى -صلى الله عليه وسلم -.
المرة الثالثة: فى عهد سيدنا عثمان بن عفان لما اختلف المسلمون فى القراءة وكاد يكفر بعضهم بعضا وهم فى غروة أرمينية (3).
بل وقع خلاف أيضا عند سيدنا عثمان فكان لابد من جمع ما أجمعوا عليه من القرآن وترك ما اختلفوا فيه، فتالفت لجنة برئاسة زيد بن ثابت أيضا وكتبوا ستة مصاحف مشتملة على قراءات موزعة فيها: مثل (سارعوا) فى مصاحف مكة والكوفة والبصرة وبدون الواو فى مصاحف الشام والمدينة.
وبذلك اتخذ الناس فى القراءة بمعنى أنهم أجمعوا على صحه ما عندهم فلا يخطئ بعضهم بعضا فالجميع على صواب.
وقام الناس بالنقل من هذه المصاحف لأنفسهم، وبقيت هى وما نقل منها إلى أن دون علم الرسم واحتوى على وصف ما فيها تفصيلا (6).
أ. د/عبد الغفورمحمود مصطفى