لغة: جمع المتفرق جمعا: ضمَّ بعضه إلى بعض (1).
واصطلاحا: ضم بعض السنة إلى بعض فى كتب جامعة كالمسانيد والجوامع والسنن بحيث يتيسر العثور على الحديث عند الحاجة إليه.
وقد اختلف هذا الجمع بحسب الحاجة إليه والوسائل المستخدمة فيه.
ففى عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - جمعت السنة فى الأذهان، وفى صحف متفرقة كَتَبَ فيها من احتاج الكتابة من الصحابة .. وساعد على هذا الجمع ارتباط السنة بحياتهم العملية فى العبادات والمعاملات ونظام الحكم وتفسير القرآن.
وقد كتب الحديث جماعة من الصحابة بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بإذنه صراحة أو إقرارا (2).
وما ورد عند أحمد ومسلم من النهى عن كتابة الحديث موجه إلى كتاب القرآن لئلا يختلط القرآن بالحديث فى الكتابة، ففى رواية أحمد: " لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن، ومن كتب شيئا سوى القرآن فليمحه" (3).
ومع ثبوت كتابة الحديث فى عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعصر الصحابة فإن الاعتماد فى الرواية كان على الحفظ والضبط فى الصدر أو الكتاب، والاتصال المباشر بين الراوى ومن يروى عنه، حذرا من التصحيف والتحريف والاعتماد على المكتوب وحده، لأن الحديث مصدر للأحكام الشرعية، والخطأ فى قراءته يترتب عليه ضرر كبير.
أما قول من قال: إن آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى عهد أصحابه لم تكن مدونة فى الجوامع ولا مرتبة (4) فلا ينافى الكتابة، وإنما يدل على عدم الترتيب والتصنيف فى هذا العصر .. أى جمع الأحاديث المكتوبة بحسب الأبواب أو الموضوعات على نظام التأليف الذى تم بعد ذلك ..
وقد جمع الباحثون ما كتبه الصحابة أو كتبه التابعون عنهم وذكروا من ذلك صحيفة همام بن منبه عن أبى هريرة، وصحيفة جابر بن عبد الله، وصحيفة سمرة بن جندب (5).
وعزم بعض الخلفاء كأبى بكر وعمر، وعمر بن عبد العزيز على تدوين السنة أى جمع ما عند الناس منها فى دواوين تحفظها الدولة وتنشرها بين الناس (6)، فلم يتيسر ذلك واستمرت المحاولات التى تقوم بها الدولة إلى الآن ولم تصل دولة منها إلى ذلك ..
من هنا اعتمد جمع السنة على جهود علماء الأمة فى كل عصر ولم يقتصر جمعها على عالم أو على علماء دولة من دول الإسلام دون غيرها من الدول.
قال الخطيب: ولم يكن علم الحديث مدونا أصنافا ولا مؤلفا كتبا وأبوابا فى زمن المتقدمين من الصحابة والتابعين ثم ذكر أول من صنف الكتب الجامعة للأحاديث المروية على نسق خاص وهم سنيد بن أبى عروبة وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج والأوزاعى والربيع بن صبيح وشعبة بن الحجاج وحماد ابن سلمة ومعمر بن راشد والثورى ومالك .. هؤلاء العلماء من بلاد الإسلام المختلفة .. ثم تلاهم من بعدهم ثم من بعدهم فى التأليف .. وكان التأليف على طريقتين:
1 - التصنيف على أبواب الفقه ونحوها أى بحسب الموضوع الذى ورد فيه الحديث كالصلاة والحج والجهاد .. بحسب ما يشتمل عليه كل موضوع من الأبواب كالركوع والسجود والقراءة فى الصلاة وكانوا يضمون إلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسند المتصل الحديث المرسل والموقوف على الصحابة وأقوال من بعدهم من التابعين مما ثبتت عدالة رجاله واستقامت أحوال رواته. وعلى ذلك كانت أكثر كتب المتقدمين.
2 - التصنيف على طريقة المسانيد: ولا يجمع فى المسند إلا الحديث المرفوع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويضم حديث كل صحابى إلى بعضه، ويرتب الصحابة فى المسانيد بحسب السابقة فى الإسلام أو الصلة النسبية برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو تُرتب أسماؤهم على حروف المعجم فيقدم من يبدأ اسمه بالألف ثم الباء وهكذا (7).
وفى القرن الثالث الهجرى ظهرت كتب الصحاح التى اقتصرت على الحديث المستوفى لشروط الصحيح بحسب منهج المصنف كصحيح البخارى ومسلم ثم من تبعهم فى تأليف الصحيح.
وكان هناك مصنفات فى السنة بحسب موضوع خاص كالإيمان والصلاة والجهاد ونحو ذلك.
وهكذا استقر جمع السنة فى الكتب الأصول تخدمها فهارس ومفاتيح ومصنفات فى قواعد علوم الحديث ودراسة الرواة وبيان علل الحديث وشرح الأحاديث.
أ. د/ عزت عطية