لغة: هو "الحسن "، واسم "الجميل" فى أصل اللغة موضوع للصورة الحسية المدركة بالعين، أيا كان موضوع هذه الصورة من إنسان أو حيوان أو نبات او جماد. ثم نقل اسم الجميل لتوصف به المعانى التى تدرك بالبصائر لا الأبصار، فيقال: سيرة حسنة جميلة، وخلق جميل. وقد وردت كلمة جمال وصفا للأنعام فى قوله تعالى: {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون} النحل:6، كما وردت كلمة "الجميل" فى القرآن أيضا وصفا للصبر والصفح وتسريح الزوجة والبحر. كما وردت وصفا لله تعالى فى الحديث الشريف: (إن الله جميل يحب الجمال) (صحيح الإمام مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه) ومعنى "جميل" فى الحديث: المنزه عن النقائص والموصوف بصفات الكمال، أو: ذو النور والبهجة .. إلخ .. ويرجع المتكلمون صفات المعانى لله تعالى كالعلم والقدرة وما إليهما إلى صفة "الجمال".
واصطلاحا: الجمال الحقيقى -فى المفهوم الصوفى- هو: الجمال الإلهى، وهو من صفات الله الأزلية، شاهدها فى ذاته أزلا مشاهدة علمية، ثم أراد أن يشاهدها مشاهدة عينية في أفعاله، فخلق العالم، فكان كمرآة انعكس على صفحتها هذا الجمال الأزلى.
والجمال الإلهى -فيما يقول الصوفية- نوعان: جمال معنوى وجمال صورى. فالجمال المعنوى هو: معانى الصفات الإلهية والأسماء الحسنى. وهذا النوع لا يشهده إلا الله، أما الجمال الصورى فهو هذا العالم الذى يترجم عن الجمال الإلهى. بقدر ما تستوعبه الطاقة البشرية. فالعالم ليس إلا مجلى من مجالى الجمال الإلهى. وهو بهذا الاعتبار حسن. وكل ما فيه جميل، والقبح الذى يبدو فيه ليس قبحا حقيقيا، بل هو قبح بالإضافة والاعتبار لا بالأصالة. ويضربون مثلا لذلك: قبح الرائحة المنتنة التى ينفر منها الإنسان، ويتلذذ بها الحيوان، والنار التى تكون قبيحة لمن يحترق فيها، لكنها فى غاية الحسن لمن لا يحترق بها مثل طائر "السمندل" الذى يتلذذ بالمكث فى النار. فيما يقولون.
وإذا كان المعتزلة يرون أن الحسن والقبح وصفان ذاتيان فى الأشياء، ويرى الأشاعرة أن الأشياء فى أنفسها قبل ورود الشرع لا توصف بحسن ولا قبح فإن الصوفية يؤكدون على أن "الحسن" وصف أصيل فى كل ما خلق الله تعالى. ولتجلى الجمال "انبهار" يقهر عقل السالك إلى درجة "الهيمان "، فإن بقى فى هيمانه سمى "مولها "، والمؤيدون من السالكين معصومون فى تجلى الجمال من الهيمان، قإذا سكروا صحوا عن قريب، وهؤلاء يسمون "بالممكنين"، وأهل "التأييد"، وأهل "التمكين" أرفع درجات من المهيمين. ويستدل الصوفية على أحوالهم فى تجلى الجمال بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف: (وشوقا إلى لقائك من نكير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة) (مسند الإمام أحمد، 5/ 191)، ويفسرون "الضراء المضرة" فى الحديث بذهاب العقل، و"الفتنة المضلة" بانحلال قيود العلم المؤدية إلى الزندقة.
وتجلى الجمال من منازل القلب، وليس من أخلاق النفس، وهو -بهذا الاعتبار- من "الأصول"، التى يتبنى عليها السلوك.
أ. د/أحمد الطيب