اصطلاحا: تطلق على النقاد الثلاثة الذين كونوا "مدرسة الديوان" وهم العقاد، والمازنى، وشكرى من حيث الرؤية الشعرية، والأسس الفنية، لأنهم التقوا فكريا حول مفاهيم نقدية وجمالية متقاربة وقد شكلوا مدرسة نقدية هامة فى تاريخ شعرنا العربى الحديث رغم قصر المدة الزمنية التى جمعت بينهم إنسانيا.
وهناك خطأ يردده كثير من الدارسين- وهو تسمية هذه المدرسة باسم مدرسة "الديوان" نسبة إلى كتاب بنفس العنوان قد أخرجه (العقاد والمازنى) فى جزءين سنة 1921 م هذه التسمية غير صحيحة لأن هذا الكتاب ينقد ويهاجم أكثر من كونه يرسى أسساً فنية، ويضع تقاليد جمالية فالعقاد فيه ينقد شوقى، والمازنى ينقد المنفلوطى، بل وشكرى، ومعنى هذا أن الكتاب هجمة محمومة على أهم من فى الساحة الأدبية من الخصوم والأنصار.
لقد تأثر رواد "مدرسة الديوان النقدية" وهم: (عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازنى وعبد الرحمن شكرى) فى نزعتهم الجديدة بالأدب الإنجليزى، وبالشعراء والكتاب الرومانسيين بصفة خاصة، ووقفوا موقف عداء ورفض سافر لشعراء المدرسة الكلاسيكية التى كانوا يسمونها بالمدرسة المحافظة، ويسمون شعراءها بالمقلّدين، وكان رفضهم للتقليد دافعا لهم إلى البحث عن بديل، وقد اطمأنت نفوسهم إلى أشعار الرومانسيين فأخذوا بكثير من مبادئها، والتقوا فى هذا بالخطوط العربية التى كان "مطران" يدعو إليها ويحققها فى شعره وهذه المبادئ هى أنهم:
· طالبوا أن يكون الشعر تجربة شعرية لها طابعها الفردى.
· نزعوا إلى الشعر الوجدانى الذى يحمل سمات صاحبه النفسية، ويبرز شخصيته المتميزة.
· طالبوا بالوحدة الفنية فى القصيدة.
اهتموا بالخيال وأولوه عناية خاصة.
· دعوا إلى ما يعرف بالشعر المرسل، أى أن القصيدة لا تنتهى بقافية موحدة بل ينتهى كل بيت منها بقافية خاصة؛ لأنهم يرون أن القافية الموحدة فيها رتابة مملة لسامع.
· كان لكل منهم طابعه الخاص المرتبط بتجاربه النفسية ومزاجه الخاص.
ولقد نادى العقاد رحمه الله بمبادئ المدرسة فقال موجها الكلام لشوقى: اعلم أيها الشاعر العظيم، أن الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء لا من يعددها ويحصى أشكالها وألوانها، وليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشىء ماذا يشبه، وإنما- مزيته أن يقول لك ما هو، ويكشف لك عن لبابه وصلة الحياة به.
ولقد قال العقاد فى مهرجان "شوقى" الذى أقامه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، يوضح رأيه فى شوقى، ويبين موضع الخلاف بينهما فقال:
· أنه كان علما للمدرسة التى انتقلت بالشعر من دور الجمود والمحاكاة الآلية إلى دور التصرف والابتكار، فجُمعت له جملة المزايا والخصائص التى تفرقت فى عصره.
· ومضى يشرح ذلك فقال: إن البارودى كان يفوقه فى روعة المتانة والفخامة والجزالة، ولكنه عوض ذلك بما يضارعه ويفوقه، وخاصة فى منظوماته الأخيرة، من سلاسة اللفظ وعذوبة العبارة ورقة النغمة الموسيقية.
· كان ينازع السيطرة الأجنبية التى طغت واستبدت، ولم يحجم عن المشاركة فى المواقف الوطنية التى يقتضيها الواجب الوطنى.
· ومضى يشيد بشعره التاريخى قائلا عن قصيدته "كبار الحوادث فى وادى النيل" إنها عمل مستقل المقصد مجتمع الأجزاء يصح أن ينفرد وحده فى بابه، كأنه شريط متسلسل من أشرطة الصور المتحركة يعرض للناظرين مواقف الدول والمناسك والأديان من أقدم عصور وادى النيل.
· وأشاد بمسرحياته ونظمه فى المواعظ والأمثال، ثم قال: كان شوقى عَلما لمدرسة الشعر فى مطلع النهضة الأدبية، التى بدأت فى منتصف القرن التاسع عشر وكان حظ العَلَم فى حالتيه يلتف به شيعته فى معسكره، ويرميه الرماة من المعسكر الآخر، الذى يناجزه ويدعو إلى غير دعوته.
أ. د/ محمد سلام