لغةً: الجبر مأخوذ من الفعل الرباعى أجبر على وزن أفعل بمعنى أكرهه وقهره على الفعل بغير إرادة من الفاعل ولا اختيار فيه، وضده الاختيار فهو يدل على إرادة الفاعل واختياره لفعله بإرادته وقدرته، وقد يجىء لفظ الجبر من جبَر الثلاثى لكنه قليل، ومنه الجبار صفة من صفات الله تعالى، ولا يذكر منفردا وإنما يأتى مقرونا بلفظ المنتقم كما فى أسمائه الحسنى الجبار المنتقم.
واصطلاحاً: والجبر والاختيار مذهبان مشهوران فى علم الكلام فالمعتزلة يقولون بالاختيار المطلق للعبد فى فعله حيث يقع منه الفعل بإرادته وقدرته المستقلة عن قدرة الله وإرادته، أما الأشاعرة فيقولون بالكسب ومعناه عندهم أن الفعل يقع بقدرة الله المطلقة مقارنا لقدرة العبد الحادثة. وأول من قال بالجبر فى الإسلام هو الجهم بن صفوان (ت: 128هـ) والإنسان عنده مقهور على فعله وهو كالريشة المعلقة فى الهواء تحركها الرياح كيف تشاء، ولقد أظهر الجهم مقالته فى الجبر حين أظهر المعتزلة مقالتهم فى نفى القدر وقالوا إن الأمر أنف وأنه لا قضاء والإنسان حر فى أفعاله وتقع منه بإرادته وقدرته مستقلا عن قدرة الله وإرادته، ثم صار لفظ الجبر لقبا على الجهم واتباعه الجهمية من بعده، وهو ليس لفظا شرعيا، لم يرد فى نص صحيح من الكتاب والسنة ولم يعرف فى عصر الخلافة الراشدة وكان السلف يتحرجون من استعماله نفيا أو إثباتا لأنه لفظ مجمل، والذى ورد فى الحديث الصحيح لفظ جبل حين قال - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس: "إن فيك لَخُلُقَيْن يحبهما الله ورسوله. قال: أخُلقين تخلقتُ بهما أم جُبْلت عليهما فقال - صلى الله عليه وسلم -: بل جُبلت عليهما". فقال الأشج: الحمد لله الذى جبلنى على ما يحبه الله ورسوله. وقيل: إن الجهم أخذ مقالته فى الجبر ونفى الصفات عن الجعد بن درهم مؤدب مروان بن محمد ثم شاعت مقالته فى العصر الأموى، وقيل إن خلفاء بنى أمية استغلوا القول بالجبر لتثبيت سلطانهم وتنفيذ سياستهم فى الرعية، والمعتزلة يطلقون على الأشاعرة لفظ الجبرية، ويتبرأ الأشاعرة من هذه الصفة ويطلقونها بدورهم على الجهم والجهمية وتنقسم الجبرية إلى ثلاثة أقسام:
1 - جبرية خالصة: وهم الجهمية القائلون بالجبر المطلق وأن قدرة الإنسان لا أثر لها فى الفعل الإنسانى.
2 - جبرية متوسطة: وهم يثبتون القدرة للعبد لكن ليس لها أثر فى فعله، ولا تصلح هذه القدرة لفعل الضدين وهذه القدرة هى مناط التكليف الشرعى.
3 - القائلون بالكسب وهم الأشاعرة ويثبتون للعبد قدرة على الفعل ويسمون مباشرة قدرة العبد لفعله كسبا، ولا يسمون ذلك خَلْقَاً للفعل.
ويحتج كل فريق من القائلين بالجبر والاختيار على مذهبه بآيات من القرآن الكريم ليفند بها مذهب الفريق الآخر.
فمن الآيات التى يحتج بها القائلون بالجبر قوله تعالى: {فعَّال لما يريد} (البروج 16).
{الله خالق كل شىء} (الزمر 62) {ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى} (السجدة 13).
ومن الآيات التى يحتج بها القائلون بالاختيار قوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة 7، 8) {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} (الكهف 29).
ويحاول كل فريق من القائلين بالجبر والقائلين بالاختيار أن يؤول هذه الآيات على طريقته الخاصة ليؤيد بها رأيه ويفند رأى الفريق الآخر.
أ. د/ محمد السيد الجليند