لغة: مأخوذة من الفعل (جهل)، والجهل معناه: خلاف العلم.
يقول الراغب: الجهل على ثلاثة أضرب: الأول: خلو النفس من العلم، الثانى: اعتقاد الشىء بخلاف ما هو عليه، الثالث: فعل الشىء بخلاف ما حقه أن يفعل (1).
وقد وردت مشتقات الكلمة فى القرآن الكريم بمعنى:
1 - الخلو من المعرفة، كقوله تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} البقرة:273.
2 - الطيش والسفه، كقوله تعالى: {قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون} يوسف:89.
3 - بمعناها معا كقوله تعالى: {ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون} الأنعام:111.
اصطلاحا: اصطلح المؤرخون على أن لفظ الجاهلية قد يكون اسما للحال، ومعناها الصفات المرذولة التى كانت عليها الأمة قبل الإسلام من الجهل بالله وبرسوله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر .. إلخ، ومنه قول النبى صلى الله عليه وسلم لأبى ذر: (إنك امرؤ فيك جاهلية) (رواه البخارى) (3) أى حال أو طريقة أو عادة جاهلية أو نحو ذلك.
وقد يكون اسما لذى الحال، أى الزمان، ومعناها: المدة التى كانت قبل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: زمن الكفر مطلقا، وقيل: ما قبل الفتح، وقيل ما كان بين مولد النبى والمبعث، وبهذا قال ابن حجر، ومنه قوله تعالى: {يظنون بالله غيرالحق ظن الجاهلية} آل عمران:154، وذلك لما كان عليه العرب من فاحش الجهالات فى العقيدة والعبادة والتشريع والمعاملات والأخلاق التى انتقلت إليهم وشاعت بينهم وتأصلت فى نفوسهم حتى صارت دينا حل محل الحنيفية السمحة (3).
وعلى هذا نقول: طائفة جاهلية، وشاعر، جاهلى، نسبة إلى الجهل، لأن من لم يعلم الحق فهو جاهل، فإن اعتقد خلافه أو قال بخلاف الحق عالما به أو غيرعالم فهو جاهل، كقوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} الفرقان:63.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل) (رواه أبو داود) (4).
أى لا يعمل بعمل الجاهلية من السفه والغضب والأنفة والحمية والمفاخرة، ومنه قول عمرو بن كلثوم فى معلقته:
ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا
أى لا يسفه أحد علينا فنسفه عليه فوق سفهه، أى نجازيه به جزاء يزيد عليه.
وكذلك من عمل بخلاف الحق فهو جاهل وإنما علم أنه مخالف للحق، كما قال تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريبا} النساء:17، لأن العلم الحقيقى الراسخ فى القلب يمتنع أن يصدر عنه ما يخالفه من قول أو فعل، فإن صدر ما يخالفه كان جهلا، وعلى ذلك كان الناس قبل البعثة النبوية فى جاهلية وكل ما يخالف ما جاء به المرسلون من أفعال اليهود والنصارى، وتلك كانت الجاهلية العامة.
أما بعد البعثة فقد مضى زمانها بمجىء الإسلام، وإن بقيت أحوالها وعاداتها بين الإطلاق والتقييد.
فالمطلقة قد تكون فى بلد دون بلد، كما هى فى غير ديار الإسلام، وقد تكون فى بعض الأشخاص دون بعض، كالرجل قبل أن يسلم وإن كان فى دار الإسلام.
والمقيدة قد تكون فى بعض ديار المسلمين وفى كثير من الأشخاص المسلمين؛ لقول صلى الله عليه وسلم (أربع في أمتى من أمرالجاهلية لا يتركونهن الفخر بالأحساب، والطعن فى الأنساب والاستسقاء بالنجوم، والنياحة) رواه مسلم (5).
فهذه كلها جاهلية، وهى من المعاصى التى لا يكفر صاحبها.
وقد اختلف المؤرخون فى تحديد الفترة الزمنية للجاهلية على أقوال، منها أنها بين آدم ونوح، أو بين نوح وإدريس، أو بين موسى وعيسى، أو بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال هى الفترة بين كل نبيين، والراجح أن الفترة الزمنية للجاهلية تبدأ من عصور ما قبل التاريخ، وتنتهى بالبعثة النبوية فى القرن السابع الميلادى، وعلى هذا لا يصح مطلقا أن يوصف المجتمع المسلم بأنه جاهلى، بخلاف الأفراد، فإنه يمكن إطلاق لفظ الجاهلية على الشخص إن وقع فى فعل جاهلى.
أ. د/خليفة حسن العسال