يقصد بالأدارسة الدولة التى قامت فى المغرب الأقصى سنة 172هـ /789م على يد الإمام إدريس بن عبد الله، وبه سميت الدولة، وينسب إدريس هذا إلى الفرع الحسنى، فوالده هو عبد الله الكامل بن الحسن المثنى ابن الحسن بن على بن أبى طالب، وكان عالما جليلا، وقد احتل منزلة مرموقة فى مجتمعه، وهو شيخ بنى هاشم ورئيس العلويين فى ذلك الوقت (1)، وقد نشأ على جانب من اليسر.
وبعد مقتل الإمام على بن أبى طالب، أخذ البيت العلوى يصارع فى سبيل الوصول إلى مقعد الخلافة، وقد استمر هذا الصراع فى عهد الدولتين: الأموية والعباسية لأنهم كانوا يرون أنهم أصحاب الحق الشرعى فى منصب الخلافة لذا اندلعت عدة ثورات ومن هذه الثورات ثورة أحد زعماء البيت العلوى وهو الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن على بن أبى طالب فى المدينة 169هـ/786م واشترك فيها الإمام إدريس (2) ابن عبد الله ثم انتقل الثوار إلى فخ وهو مكان قريب من مكة وكان اللقاء بين الثوار والعباسيين وانتهى بمقتل الحسين ومائة من أهل بيته ومن بقى من أهل البيت اختلط بالحجاج (3) أما الإمام إدريس بن عبد الله قد فر إلى مصر ومنها إلى بلاد المغرب الأقصى حيث توجه إلى مدينة (وليلى) وهناك نزل على زعيم قبيلة أوربة وهو إسحاق بن محمد ابن عبد الحميد الأوربى (4) الذى رحب به وأكرم وفادته وبايعه بالامامة هو وقبيلته ثم دعا بقية القبائل لمبايعته سنة 172هـ/789م (5) وبذلك قامت دولة الأدارسة.
وقد تضافرت عدة عوامل على مبايعة الامام إدريس بن عبد الله منها معرفة البربر بأحداث المشرق، وتطلع قبائل البرير إلى زعامة دينية وسياسية مع مميزات شخصية فى الإمام ادريس ثم تأييد قبيلة اوربة للدولة الجديدة.
ما أن استقرت الأمور فى (وليلى) عاصمة الدولة حتى خرج الإمام إدريس بن عبد الله على رأس جيشه لإخضاع بقية مناطق المغرب لذا خرج فى ثلاث حملات الأولى إلى الجنوب والغرب والثانية إلى الجنوب وذلك للقضاء على الضلالات المنتشرة فى تلك المناطق أما الثالثة فكانت إلى الشرق حيث استولى على مدينة تلسمان، هذا النجاج أقلق الخليفة هارون الرشيد فى بغداد ومن ثم دبر مؤامرة لاغتياله على يد أحد أتباعه وهو سليمان جرير المعروف بالشماخ وقد نجح فى تنفيذ مهمته وقتل الإمام إدريس بن عبد الله بواسطة السم سنة 175هـ/791م (6).
تولى راشد وزعماء البربركفالة إدريس بن إدريس بعد مقتل والده حتى بلغ أشده وبويع سنة 188هـ/804م. وشهدت البلاد فى عهده رخاء واستقرارا مع هجرة كثير من القبائل العربية من القيروان والأندلس إلى (وليلى) مما اضطر معه الإمام إدريس بن إدريس إلى البحث عن مكان جديد للعاصمة ووقع الاختيار على مدينة فاس سنة 192هـ/808م (7) ثم تابع الإمام إدريس بن إدريس نشاط والده العسكرى فخرج فى حملتين الأولى تجاه بلاد المصامدة والثانية إلى تلمسان وقد حقق نجاحا كبيرا حتى إذا كانت سنة 213هـ/828م توفى الإمام إدريس بن إدريس ليتولى خلفا له ابنه محمد الذى قسم مناطق الدولة على إخوته وذلك بمشورة جدته كنزة التى رأت أن ذلك فى صالح الدولة؛ إلا أن هذا التقسيم حمل فى طياته بذور الخلاف والشجار، وحدث صراع بين الأخوة ثم تعاقب أمراء الأدراسة على المناطق المختلفة، وبدأت الدولة تفقد وحدتها وتماسكها حتى وصل القائد وصالة بن حبوس المكناسى أحد قادة الدولة الفاطمية سنة 305هـ/917م.
لقد كان للأدارسة دور مؤثر وخطير فى حياة المنطقة إذ نجح الأدارسة فى توحيد المغرب الأقصى، وذلك نتيجة عدة خطوات منها إقامة حكومة مركزية فى وليلى ثم فى العاصمة الجديدة "فاس" تخضع لها مختلف القبائل؛ كما كانت الحملات العسكرية المتكررة مجالا لحشد هذه القبائل تحت راية واحدة وصهرها فى مجتمع واحد متجانس يضاف إلى ذلك ترحيب الأدارسة بالوفود العربية القادمة وما ترتب على ذلك من نشر للثقافة الإسلامية والعربية وإنشاء العاصمة الجديدة فاس التى ضمت مختلف هذه العناصر.
وفى مجال نشر الاسلام وخدمة الدين الحنيف فقد بذل أمراء الأدارسة خطوات كبرى فى هذا المجال ومن هذه الخطوات القيام بحركة مقدسة الغرض منها القضاء على الوثنية المنتشرة فى المنطقة، وكذلك القضاء على المذاهب الخارجية التى استشرى خطرها فى البلاد فضلا عن الاستقرار السياسى والاقتصادى ودورهما المؤثر فى دخول البربر فى الاسلام، وكان المذهب المالكى هو مذهب الدولة.
ومن أبرز أعمال الأدراسة فى المنطقة والتى خلدت اسمهم فى التاريخ بناء مدينة فاس التى لعبت دورا كبيرا فى تقدم المنطقة وازدهارها إذ أنها أسهمت فى تبديل الصورة القبلية التى كانت تعيشها المنطقة إلى نظام حضارى يسهم فى نشر الإسلام والثقافة العربية وإليها أقبل الدارسون من كل مكان ومنها انطلق العلماء لنشر الإسلام والثقافة العربية وما زالت مدينة فاس تلعب دورها الحضارى حتى يومنا هذا.
أ. د/حسن على حسن