اصطلاحا: عند قدماء المشايخ هو نوع من " التشبه بالصادقين " محصور فى دائرة الأقوال والأعمال لا يتعداها إلى غيرها، كالإيمان- مثلا، فإنه لا يقَبْل التشبه ولا المحاكاة.
ولعل هذا ما دفع السرَّاج الطوسى"، وهو يتحدث عن التحلى إلى الاستشهاد بالحديث الشريف " ليس الإيمان بالتخلى ولا بالتحلى، ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل " (1)، فى إشارة منه إلى استحالة "التحلى" بالإيمان وبالأحوال القلبية عموما.
ويبدو أنه ليس للتحلى كبير شأن فى كتابات الأوائل من الصوفية، ولعل ذلك راجع إلى أن القوم- فى أحوالهم ومقاماتهم ومنازلهم- إنما يعوِّلون على الصدق والتحقق، لا على التشبّة والتظاهر، وربما كان "التحلى" محمودا عندهم، من جهة أنه تدريب على اكتساب الأقوال والأفعال المرضية، وصيرورتها عادة وجبلة فى السالك. وكثيرا ما يرد "التحلى"، فى كلامهم كمرحلة وسطى، تسبقها مرحلة "التخلى" وتعقبها مرحلة "التجلى". ويؤخذ من كلامهم أيضا ضرورة صدق السالك فيما يتحلى به، ومن هنا شدّدوا النكير على المتظاهرين من غير الصادقين، وهؤلاء- فيما يقول الهجويرى- "يفتضحون لا محالة، بل هم فى أنفسهم فضيحة، لأن سرّهم مكشوف ".
وللتحلى فى كتابات المتأخرين معنى مخالف، يرجع إلى التشبه، لا بأخلاق العبودية كما هو الشأن فى التفسير السابق، ولكن بالأخلاق الإلهية، وذلك من خلال "الأسماء الإلهية" تعبدا وتمثلا، وقد يكون للمعنى الفلسفى، الذى يفسر "السعادة" بأنها التشبه بالله قدر الطاقة البشرية صلة بهذا المعنى المتأخر للتحلى. ويلاحظ أن أصحاب هذا الاتجاه يتصورون علاقة ثلاثية- عرفانية أكثر منها سلوكية- بين "التجلى" الذى هو: "ظهور الذات فى حُجب الأسماء والصفات تنزلاً"، والتحلى"، وهو "القيام بمعانى الأسماء تعبّداً وتمثلاً"، والتخلى" الذى هو "سقوط الإرادة والاختيار اعتماداً وتوكلا ".
أ. د/ أحمد الطيب
1 - الحديث من رواية أنس بن مالك، وقد أورده السيوطى فى: الجامع الصغير مع فيض القدير. رقم 7570، ورمز له بالضعف.