4 - التأليف

لغة: هو جمع الشىء إلى نظيره تقول: ألفت بين الشيئين تأليفا فتألفا وأتلفا (1).

وتقول: تألف القوم وائتلفوا أى اجتمعوا (2).

واصطلاحا: جمع مسائل علم فى كتاب (3)، وهو مأخوذ من الألفة ومن الاجتماع أيضا وقد يطلق اللفظ على المؤلف وقد يسمى التأليف تصنيفا، ويسمى الكتاب المؤلف مصنفا.

والمؤلف صاحب رسالة يريد أن ينقلها إلى القارىء ة ولذا فإن الاقتصار على سرد الآراء وجمع النصوص المتعلقة بموضوع معين لا يعد تأليفا، لأنه لا يضيف فكرا جديدا.

كذلك فإن تحقيق النصوص القديمة وترجمة النصوص الأجنبية لا يسمى تأليفا (4) لأن الفكرة الأصلية والإضافة الحقيقية هى لمؤلف النص الأصلى وليست للمحقق أو المترجم، ويقاس على هذا القوائم الببليوجرافية التى تحصى المؤلفات فى موضوع معين، فإن القائم بها لا يعد مؤلفا وإنما جامعا. ولهذا نقول: إعداد فلان، ولا نقول: تأليف فلان.

ولعل هذا هوما يفسرلنا ظهور مصطلح "السرقات الأدبية" فى تراثنا الأدبى وظهور مصطلح "حق التأليف" وقوانين حماية حق المؤلف أو حق الملكية الفكرية فى العصر الحديث، صيانة لثمرات العقول من أن تستباح فسرقة الأفكار، لا تقل شناعة عن سرقة المتاع.

والمؤلف - عادة - يجمع مادته العلمية من مصادرها المختلفة ويحللها ويناقشها (5) ويكتبها فى صورة مبدئية تسمى "المسودة" وهذه المسودة تخضع للتغيير والتبديل والتقديم والتأخير والحذف والإضافة حتى إذا استقر صاحبها على الصيغة التى يرتضيها، بيضها فى صورة نهائية ينشرها على الناس. وقد يعيد المؤلف النظر فيما كتب، وقد يعدل عن بعض آرائه فيصدر من كتابه إصدارة جديدة أو طبعة جديدة يصفها بأنها "مزيدة ومنقحة" وتلك ظاهرة صحية لا تعيب المؤلف وإنما تحسب له وتغلى من قدره وتدل على ما يتصف به فكره من تطور ونضج ونماء، وأمانة أيضا.

وفى العصور القديمة كان الإملاء إحدى طرق التأليف، وكان العالم يجلس فى المسجد أو أى مكان عام ومن حوله تلاميذه ومريدوه، يكتبون عنه ما يمليه فالسيوطى يذكر أن الإملاء كان أعظم وظائف الحفاظ من أهل الحديث (6) وابن النديم يذكر أن ابن الأعرابى "أملى على الناس ما يحمل على أجمال " (7) وتراثنا العربى يحفل بكتب كثيرة تحمل فى عناوينها كلمة "الأمالى" أو "المجالس" وقد أحصاها حاجى خليفة فى كتابه "كشف الظنون" ومن بعده إسماعيل البغدادى فى "إيضاح المكنون فى الذيل على كشف الظنون" وأشهرها أمالى أبى علاء القالى ومجلس ثعلب.

وقد انتشرت مجالس الإملاء فى الحواضر الإسلامية خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين وتحدث الخطيب البغدادى فى مواضع متفرقة من "تاريخ بغداد" عن تلك المجالس (8) ووصف ضخامتها وكيف أن بعضها كان يحضره عشرات الألوف وربما تجاوز عدد الحاضرين مائة ألف كمجلس عاصم الواسطى (ت 221هـ) (9) وكان طبيعيا ألا يسمع صوت الشيخ تلك الأعداد الكبيرة من السامعين ولهذا ظهرت فئة "المستملين" الذين يرددون كلام الشيخ وراءه كل منهم يبلغ صاحبه حتى تسمع جموع الحاضرين (10) ومهما تكن فى هذه الأرقام من مبالغة، فإنها تدل على تضخم تلك المجالس لدرجة تلفت الانتباه.

أ. د/عبد الستار عبد الحق الحلوجى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015