إحْدَاد

تعريفه لغة: الإحداد مأخوذ من الحد، وهو لغة: المنع.، ويريد به اللغويون منعا خاصا، وهو امتناع المرأة عن الزينة والخضاب بعد وفاة زوجها (?) .

وفى عرف الفقهاء: ألا تقرب المعتدة من وفاة، شيئا من الزينة والطيب، وما إليهما على تفصيل فى ذلك بين المذاهب، وعلى خلاف بين المباح والممنوع (انظر ما تجتنبه الحاد) .

زاد بعض المذاهب كالحنفية والزيدية المعتدة من طلاق ثلاثا وعلل الحنفية ذلك بأن حزن المرأة على انفصام عرى الزوجية لا يقل عن حزنها لموته (?) .

والإحداد امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها من الزينة كلها من لباس وطيب وغيرهما، و " من " كل ما كان من دواعى الجماع..

والحداد ثياب المآتم السود، والحاد والمحد من النساء التى تترك الزينة والطيب يقال: حدت تحد وتحد حدا وحدادا، وأحدت. وأبى الأصمعى إلا أحدت تحد وهى محد ولم يعرف حدت.

قال أبو عبيد: ونرى أنه مأخوذ من المنع، لأنها قد منعت من ذلك، ومنه قيل للبواب حداد، لأنه يمنع الناس من الدخول والسجان حداد.

وقد سميت الحدود الشرعية كذلك لأنها تمنع وتردع عن المعصية. وقال ابن عرفة: الإحداد ترك ما هو زينة ولو مع غيره، فيدخل ترك الخاتم، إذ قد يكون زينة وحده لبعض النساء، وقد لا يكون، فى بعض آخر، إلا مع غيره، فيمنع على الحالين والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " (?) .

حكمه

وجمهور الفقهاء على وجوبه (?) على المتوفى عنها، إلا ما يروى عن الحسن البصرى من طريق حماد بن سلمة عن حميد أنه قال: المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها زوجها يكتحلان ويمتشطان ويتطيبان ويختصبان وينتعلان ويصنعان ما شاء.

ومثله عن الحكم بن عتيبة، وعن الشعبى أنه كان لا يعرف الإحداد، قال أحمد: ما كان بالعراق أشد تبحرا من هذين، وفى الحسن والشيم، وخفى ذلك عليهما.

وحجة الجمهور حديث أم عطية فى المتفق عليه واللفظ لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً (?) .

وقد فصل العلماء القول فى وجوبه على الكتابية والأمة والصغيرة والمطلقة الخ ... على ما سيأتى بيانه.

حكمته

أن التطيب والتزين يلفت النظر إلى المرأة، ويدعو إلى اشتهائها والتفكير فيها، فمنعت منه صونا لها فى زمن عدتها وفاء بحق الزوج الذى فارقها وهو على وفاق معها، وإذا كانت تلك الأمور دواعى للرغبة فيها وهى ممنوعة من النكاح فإن اجتنابها واجب كى لا تصير ذريعة على الوقوع فى المحرم (?) .

مدته

أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها للحرة، وعلى النصف من ذلك للأمة، وتحل الحرة ليلة الحادى عشر.

مذهب الحنفية:

أن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها، لقوله تعالى: " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن".

مذهب المالكية:

قال الباجى: قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما هى أربعة أشهر وعشراً " على وجه الإخبار بمدة الإحداد الواجب على زوجة المتوفى: ذلك أربعة اشهر وعشر.

وقال مالك: تحد الأمة إذا توفى عنها زوجها شهرين وخمس ليال، مثل عدتها وليس على أم الولد إحداد إذا مات سيدها ولا على أمة يموت عنها سيدها إحداد، وإنما الإحداد على ذوات الأزواج (?) : انظر مصطلح "عدة".

مذهب الشافعية:

وقال الشافعى فى الأم: وعدة المتوفى عنها من يوم يموت عنها زوجها فإن لم يأتها نبأ وفاة حتى انقضت عدتها لم تستأنف عدة جديدة. وكذلك لو لم يأتها نبأ الوفاة حتى يمضى بعض عدتها أكملت ما بقى من عدتها حادة، ولم تعد ما مضى منها.

وإن بلغها يقين وفاته ولم تعرف اليوم الذى مات عنها فيه اعتدت من يوم استيقنت وفاته حتى تكمل عدتها، ولم تعتد بما شك فيه كأن شهد عندها أنه مات فى رجب، وقالوا لا ندرى فى أى رجب مات فتعتد فى آخر ساعات النهار من رجب فاستقبلت بالعدة شعبان، وإذا كان اليوم العاشر بعد الأربعة الأشهر فى آخر ساعات النهار حلت، فكانت قد استكملت أربعة أشهر وعشرا (?) . هذا إذا لم تكن حاملا، وإلا فإن أمد الإحداد ينتهى بوضع حملها. قصرت المدة أم طالت.

وقال بعض العلماء: لا يلزمها الإحداد بعد أربعة أشهر وعشرا وإن لم تضع الحمل. وهذا بالنسبة للزوج، أما إذا كان الإحداد على غير زوج فلا يزيد عن ثلاث ليال، لقوله- صلى الله عليه وسلم-: " لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" (?) .

مذهب الحنابلة:

إذا كانت حاملا فحتى تضع.

مذهب الظاهرية:

وافقوا الجمهور فى مدة الإحداد على الزوج، وعلي غيره من الأقارب.

قال ابن حزم: لو التزمت المرأة ثلاثة أيام على أب أو أخ او ابن أو أم أو قريب أو قريبة، كان ذلك مباحا واستدل بنحو الرواية التى سقناها قريبا.

أما إن كانت المتوفى عنها حاملا فقد ذكر بشأنها أنه إن كانت عدة المتوفى عنها وضع حملها فلابد من الإحداد أربعة أشهر وعشر فأقل إن وضعت قبل مضيها ولا نوجبه عليها بعد ذلك، لأن النصوص كلها إنما جاءت بأربعة أشهر وعشر فقط.

وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر سبيعة الأسلمية بأن تنكح من شاءت إذا وضعت حملها أثر موت زوجها بليال، وقد تشوفت للخطاب فلم ينكر ذلك عليها، فصح أنه لا إحداد عليها بعد إنقضاء حملها قبل الأربعة الأشهر وعشر.

ثم قال: ولم نجد نصابا يجابه عليها أن تمادى الحمل أكثر من أربعة أشهر وعشرا، فإن وجد فالقول به واجب وإلا فلا.

ثم استدركنا إذ تدبرنا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فى بعض طرق خبر أم عطية أنها تجتذب ما ذكر اجتنابه دون ذكر أربعة أشهر وعشرا، فكان العموم أولى أن تضع حملها (?) .

مذهب الزيدية:

قالوا: والحامل بآخر الأجلين لقوله تعالى: " أن يضعن حملهن " وقوله: " أربعة أشهر وعشرا وقيل: بالوضع فقط لقوله تعالى " أن يضعن حملهن، ولم يفصل.

مذهب الإمامية:

قالوا: بأبعد الأجلين إذا كانت حاملا. وسواء قيل بالوضع أو بأبعد الأجلين، فمحصل آراء الحنفية والزيدية والإمامية والحنابلة أنه إذا استمر حملها أكثر من أربعة أشهر وعشرا لا تحل حتى تضع.

وحيث أن الإحداد يكون فى مدة العدة فإنه فى هذه الحالة يستمر وجوبه حتى تضع كذلك (?) .

إحداد الكتابية

مذهبا الحنفية والزيدية:

يرون إن الإحداد لا يجب على الكتابية لأن الإيمان شرط لوجوب الإحداد، عملا بظاهر الحديث، ولأن الإحداد عبادة، والكتابية غير مخاطبة بها خطاب تأليف إذ ليست من أهل العبادة (?) .

مذهب المالكية:

اختلف قول مالك فى ذلك حسبما روى عنه، فروى عنه أشهب: لا إحداد عليها لما ذكرنا من التعليل عند الأحناف.

وروى عنه ابن القاسم وغيره: أن عليها الإحداد كالمسلمة، ووجهه أن هذا حكم من أحكام العدة، وحق من حقوق الزوجية فلزوم الكتابية للمسلم كلزوم المسكن والعدة والنفقة.

وعلى هذا فلا يكون المراد من وصف الإيمان هنا ما يفهم تخصيص الحكم بالمؤمنات بل يكون ذكره على سبيل الترغيب فى الفعل والترهيب من الترك، والتأكيد فى الزجر بمعنى أن هذا أمر لا يتركه من يؤمن بالله واليوم الأخر كما قال - صلى الله عليه وسلم- " من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه" (?) .

مذهب الحنابلة والشافعية والظاهرية:

يرون الإحداد واجبا على الكتابية كالمسلمة، ويعلل الظاهرية ذلك بقولهم قال تعالى: " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " وقال عز وجل: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله "، والدين الحكم (?) .

فواجب عليهم أن يحكم عليهم بحكم الإسلام وهو لازم لهم، وبتركهم إياه استحقوا الخلود " فى النار". ومن قال أنه لا يلزمهم دين الإسلام فقد فارق الإسلام

وقال الشافعى: من وجبت عليه عدة الوفاة، وجب عليه الإحداد، لا يختلفن.

مذهب الإمامية:

قال صاحب الروضة البهية: والذمية كالحرة فى الطلاق والوفاة على الأشهر بل لا نعلم القائل بخلافه (?) .

إحداد الصغيرة

يرى الحنفية والزيدية: أنه لا إحداد عليها لرفع القلم عنها (?) .

أما الشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية والإمامية، فيرون أن عليها الإحداد كالكبيرة والمخاطب بذلك هو وليها فيجب عليه أن يجنبها ما تتجنبه الكبيرة (?) .

والأصل فى ذلك، على ما ذكره المالكية، ما روى عن أم سلمة أن امرأة سألت النبى - صلى الله عليه وسلم- عن ابنة لهما توفى زوجها الحديث، وقد أجابها - صلى الله عليه وسلم- ولم يسأل عن سنها، استدل بهذا القاضى أبو محمد، والدليل على ذلك من جهة المعنى أن كل من لزمتها العدة بالوفاة لزمها الإحداد كالكبيرة (?) .

إحداد الأمة

اتفق الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية والزيدية على أن الأمة المنكوحة يلزمها الإحداد لأن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً " محمول على التعميم.

ولأنها مخاطبة بحقوقه تعالى فيما ليس فيه إبطال حق السيد، إذ ليس فى الإحداد إبطال لحق سيدها وليس لسيدها منعها من الإحداد لأنه حكم من أحكام الزوجية فلم يكن لهم منعها منه كملك الزوج حق الاستمتاع بها (?) .

مذهب الإمامية:

اختلف النقل عنهم فروى عن الباقر أنها لا تحد لأنه قال: إن الحرة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء فى العدة، إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد، وهذا هو الأقوى.

وذهب الشيخ الطوسى فى أحد قوليه وجماعة إلى وجوب الإحداد عليها لعموم قول النبى- صلى الله عليه وسلم- " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، وفيه مع سلامة السند أنه عام وذاك خاص، فيجب التوفيق بينهما (?) . أما الأمة الموطوءة بملك اليمين يموت عنها السيد فلا إحداد عليها.

الإحداد فى ذات النكاح الفاسد

اتفق الحنفية والحنابلة والظاهرية والمالكية (?) ، على أنه لا إحداد عليها لأنها ليست زوجة على الحقيقة وليس لها زوج كانت تحل له ويحل لها فتحزن على فقده. وخالف فى ذلك القاضى أبو الوليد الباجى المالكى ففصل فقال: وهذا عندى فى التى يفسخ نكاحها ولم يثبت بينها شىء من أحكام النكاح من توارث ولا غيره، وأما التى يثبت بينهما أحكام التوارث فإنها تعتد عدة الوفاة ويلزمها الإحداد ... انظر فى مصطلح " نكاح. النكاح الفاسد ".

وذكر ابن حزم فى تعليل ذلك: " أما ليست مطلقة ولا متوفى عنها، ولم يأت بإيجاب عدة عليها قرآن: لا سنة، ولا حجة فيما سواهما ".

مذهب الزيدية:

فى المسألة رأيان أصحهما أن الإحداد يلزم فى النكاح الفاسد ما لم يفسخ (?) .

إحداد المطلقة

لا يخلو حال المطلقة من أن تكون رجعية أو مبتوتة (مطلقة ثلاثا) أى بائنة بينونة كبرى. فأما الرجعية فلا خلاف بين الفقهاء أنه لا إحداد عليها، وأما المبتوتة فالمالكية والظاهرية والإمامية يرون أن لا إحداد عليها، ويعلل المالكية ذلك- بأن المتوفى فارق زوجته وهو على نهاية الإشفاق عليها والرغبة فيها، ولم تكن المفارقة من قبله فلزمها الإحداد لذلك ولإظهار الحزن كذلك.. أما المطلقة فقد فارقها مختاراً لفراقها، مقابحا لها، فلا يتعلق بها حكم الإحداد كالملاعنة (?) وعلى من تحد والزوج باق؟

مذهب الحنفية والزيدية:

يرون الإحداد، ويعلل الحنفية ذلك بأن النبى - صلى الله عليه وسلم- نهى المعتدة أن تختضب بالحناء وقال: الحناء طيب، ولأنه يجب إظهارا للتأسف على فوت نعمة النكاح الذى هو سبب لصونها وكفاية مؤنها، والإبانة أقطع لها من الموت، سواء فى ذلك الطلاق البائن: الواحد أو الثلاث أو المختلعة، ويروى ذلك عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أخرج عبد الرزاق عن معمر، عن الزهرى وعطاء الخراسانى عن ابن المسيب قال: تحد المبتوتة كما تحد المتوفى عنها ولا تمس طيبا ... الخ، أخبرنا الثورى عن عبد العزيز، عن ابن المسيب قال: المطلقة والمتوفى عنها حالهما واحد فى الزينة (?) .

مذهب الحنابلة والشافعية:

أثر عن الحنابلة روايتان فى ذلك (?) ، واختلف قول الشافعى فى هذه المسألة، فقال فى القديم يجب عليها الإحداد لأنها معتدة بائن فلزمها الإحداد كالمتوفى عنها زوجها. وقال فى الجديدة لا يجب عليها الإحداد لأنها معتدة من طلاق فلم يلزمها الإحداد كالرجعية، ثم وجه الشافعية هذا بما وجهه به المالكية (?) .

وقال فى الأم: وأحب إلى للمطلقة طلاقا لا يملك زوجها فيه عليها الرجعة تحد إحداد المتوفى عنها حتى تنقضى عدتها من الطلاق. وقد قاله بعض التابعين، ولا يبين لى أن أوجبه عليها لأنهم قد يختلفان فى حال وإن اجتمعا فى غيره (?) .

ما تجتنبه المحدة

مذهب الحنفية:

وافقوا الشافعية والحنابلة فى وجوب ترك الطيب والزينة والكحل والدهن المطيب، كما اتفقوا مع الشافعية فى منع الدهن غير المطيب كالزيت والشيرج إلا لضرورة، فيجوز وقد صح أن النبى - صلى الله عليه وسلم- لم يأذن للمعتدة فى الاكتحال والدهن لا يعرى عن كونه نوع طيب وفيه زينة للشعر. لكن لو كانت عادتها الإدهان فخافت بتركه وجعا، فإن كان ذلك أمراً ظاهراً يباح لها، لأن الغالب كالواقع، وكذا لبس الحرير إذا احتاجت إليه لعذر فلا بأس (?) .

مذهب المالكية:

يجب على المحدة عندهم أن تجتنب ما يتزين به من الحلى والطيب، ونصوا على وجوب تجنب عمله والتبخر به وعلى وجوب ترك الثوب المصبوغ مطلقا، لما فيه من التزين إلا الأسود ما لم يكن زينة قوم كأهل مصر والقاهرة وسائر من يتزين فى خروجهن بالأسود. وبذلك رجعوا هذه المسألة إلى العرف كالإمامية.

قال القاضى أبو محمد:

كل ما كان من الألوان يتزين به النساء لأزواجهن فلتمتنع منه المحدة (?) ويجب عند المالكية ترك الامتشاط بالحناء والكتم (?) بخلاف نحو الزيت من كل ما لا طيب فيه والسدر والإستحداد فلا يطلب ترك ذلك. قالوا: ولا تدخل حماما، أى عاما، ولا تطلى جسدها ولا تكتحل إلا من ضرورة ولو بطيب وتمسحه نهارا وجوبا.

وحكى ابن ناجى قال: اختلف فى دخولها الحمام فقيل: لا تدخل أصلا، ظاهره ولو من ضرورة، وقال أشهب لا تدخله إلا من ضرورة (?) .

تجتنب المحدة ما يدعو إلى الرغبة- فيها وذلك فى الأمور الأربعة التالية:

1- الطيب، ولا خلاف فى تحريمه عند من أوجب الإحداد، لقول النبى- صلى الله عليه وسلم-:

" لا تمس طيبا إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها بنبذة من قسط أو أظفار " (?) .

2- الزينة، وهى ثلاثة أقسام:

أ) الزينة فى نفسها، فيحرم عليها أن تختضب، وأن تحمر وجهها، وأن تبيضه وأن تحسن وجهها عموما بنقش أو تحفيف، وما أشبهه، وأن تكتحل بالإثمد من غير ضرورة. لما روت أم سلمة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " المتوفى عنها زوجها لا تلمس المعصفر من الثياب، ولا الممشق، (?) ولا الحلى ولا تختضب ولا تكتحل"0 رواه النسائى وأبو داود.

وروت أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج، فإنها تحد أربع أشهر وعشرا. ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب (وهو ما صبغ غزله قبل نسجه) ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها بنبذة من قسط أو أظفار ... متفق عليه.

روت أم سلمة قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين توفى أبو سلمة، وقد جعلت على عينى صبرا، فقال: " ما هذا يا أم سلمة؟ " قلت: إنما هو صبر ليس فيه طيب. فقال: " إنه يشب (?) الوجه لا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار "

ولأن الكحل من أبلغ الزينة فهو كالطيب وأبلغ منه. أما إن اضطرت إلى الكحل بالاثمد للتداوى فلها أن تكتحل ليلا وتمسحه نهاراً. وذلك لما روت أم حكيم بنت أسيد عن أمها أن زوجها توفى وكانت تشتكى عينيها فتكتحل بالجلاء، فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمه تسألها عن كحل الجلاء، فقالت: لا تكتحلى إلا لما لابد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتغسلينه بالنهار ... رواه أبو داود والنسائى.

وإنما منع الكحل بالإثمد، لأنه الذى تحصل به الزينة، فأما الكحل بالتوتيا ونحوها فلا بأس به لأنه لا زينة فيه. ولا تمنع من جعل الصبر على غير وجهها من بدنها، لأنه إنما منع منه فى الوجه لأنه يصفره فيشبه الخضاب، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم- " إنه يشب الوجه "، ولا تمنع من التنظيف بتقليم الأظفار ونتف الإبط، وحلق الشعر المندوب إلى حلقه، ولابد من الاغتسال بالسدر والامتشاط به لحديث أم سلمة، ولأنه يراد للتنظيف لا للطيب.

جـ) زينة الثياب:

يحرم عليها من الثياب ما يتخذ عادة للزينة.

ب) لبس الحلى:

فيحرم عليها لبس الحلى كله حتى الخاتم فى قول عامة أهل العلم، لقول النبى - صلى الله عليه وسلم-: " ولا الحلى ". وقال عطاء يباح حلى الفضة دون الذهب، وليس بصحيح لأن النهى عام. ولأن الحلى يزيد حسنها.

3- النقاب: وهو الأمر الثالث مما تجتنبه المحدة ومثله البرقع ونحوه لأن المحدة مشبهة بالمحرمة، والمحرمة تمنع من ذلك وإذا احتاجت إلى ستر وجهها أسدلت عليه كما تفعل المحرمة.

3- المبيت فى غير منزلها: (?) ، وانظر فى هذا مصطلح " عدة ".

مذهب الشافعية:

وذهب الشافعية فى كل هذا إلى ما ذهب إليه الحنابلة وحرم عندهم ترجيل الشعر ولذا خالفوا الحنابلة فى استعمال الزيت والشيرج فى الرأس فمنعوه لأنه يرجل الشعر (?) .

مذهب الظاهرية:

إن الذى تمنع منه المحدة خمسة أشياء فقط:

الأول: الكحل كله لضرورة أو غير ضرورة.

الثانى: الثوب المصبوغ مطلقا لزينة أو لغيرها إلا العصب وحده فهو مباح لها.

الثالث: الخضاب كله.

الرابع: الامتشاط حاشا التسريح بالمشط فقط، فهو مباح لها.

الخامس: الطيب كله حاشا شيئا من قسط أو أظفار عند طهرها فقط، ويباح لها بعد ذلك أن تلبس ما شاءت من حرير أبيض أو أصفر.. الخ. ومباح لها أن تلبس المنسوج بالذهب والحلى كله من الذهب والفضة والجوهر والياقوت والزمرد وغير ذلك. ولم يأخذ بالأحاديث التى استدل بها غيره لمقال فى سندها (?) .

مذهب الزيدية:

قريب من مذاهب من ذكرنا من الفقهاء عدا الظاهرية، فيحرم عندهم استعمال المحدة للطيب والحلى والثوب المصبوغ والكحل إلا لضرورة، والخضاب لحديث أم سلمة.

وأما عن اكتحال المحدة فقد ذكر أنهم اختلفوا فى شأنه فذهب فريق إلى: تحريمه على المحدة لغير حاجة وهو ظاهر ما فى حديث أم عطية السابق، وقال فريق: يجوز مع كراهة جمعا بين أدلة التحريم والحل وهو قوله - صلى الله عليه وسلم- لأم سلمة: " اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار " وأجاب بأنه لا دلالة فيه على مطلق الحل بل عند الحاجة ففى بعض طرقه أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة وقد جعلت على وجهها صبرا: إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل.. الحديث، فاستعمالها الصبر ظاهر فى الحاجة إليه (?) .

مذهب الإمامية:

كجمهور الفقهاء فى تحريم الزينة من الثياب والأدهان والطيب والكحل الأسود والحناء وخضب الحاجبين بالسواد، واستعمال ما يحسن الوجه وغير ذلك مما يعد زينة عرفا إلا أنهم لم يخصوا المنع فى الثياب بلون دون آخر، بل أرجعوا ذلك إلى العرف وقالوا: إن ذلك يختلف باختلاف البلاد والأزمان والعادات فكل لون بعد زينة عرفا يحرم لبس الثياب المصبوغ به.

ووافقوا الجمهور أيضا فى جواز الاكتحال بالسواد لعلة ثم قالوا: إن تأدت الضرورة باستعماله ليلا ومسحه نهارا وجب وإلا اقتصرت على ما تتأدى به الضرورة ولا يحرم عليها التنظيف ولا دخول الحمام ولا تسريح الشعر ولا السواك ولا قلم الأظفار (?) ولا استعمال الفرش الفاخرة ولا تزيين أولادها وخدمها (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015