احتجام

التعريف به

جاء فى القاموس: المحجم والمحجمة ما يحتجم به وحرفته الحجامة ككتابه واحتجم طلبها ومثله فى المنجد غير أن المقصود هنا بالاحتجام هو قبول الفعل الذى تعبر عنه اللغة بالحجم ووقوعه فى جسده برضاه.

حكم الاحتجام

عبارات الفقهاء فى الفروع التى تناولوا فيها الاحتجام فى أبواب الفقه كاحتجام الصائم ووالمتوضىء والمحرم تفيد إباحة الاحتجام فى كل حال إلا أن يترتب عليه ضرر وسيتبين ذلك مما نورده بعد فى هذه الفروع.

احتجام المتوضىء

مذهب الحنفية:

قال الإمام السرخسى فى المبسوط (?) : الحجامة توجب الوضوء وغسل موضع المحجمة عندنا خلافا للشافعى لأن الوضوء واجب بخروج النجس فإن توضأ ولم يغسل موضع المحجمة فإن كان أكثر من قدر الدرهم لم تجزه الصلاة وإن كانت دون ذلك أجرأت.

جاء فى الشرح الكبير (?) إن نقص. الوضوء يحصل بحدث وهو الخارج المعتاد قال وخرج بالمعتاد ما ليس معتادا كدم وقيح إن خرجا خالصين من الأذى

مذهب المالكية:

فقال إنهما لو لم يخلصا من الأذى لنقض المخالط لهما.

وبين" الصفتى " (?) الأذى فقال: أما الدم والقيح فإن خرج معهما عذرة أو بول انتقض الوضوء وإن خرجا خالصين من ذلك فلا نقض، وما نقلناه عن المالكية يفيد بعمومه أن دم الحجامة لا ينقض الوضوء لخلوصه من الأذى المذكور.

مذهب الشافعية:

قال الخطيب فى الإقناع (?) : لا ينتقض الوضوء بالنجاسة الخارجة من غير الفرج كالفصد والحجامة لما روى أبو داود بإسناد صحيح أن رجلين من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم حرسا المسلمين فى غزوة ذات الرقاع فقام أحدهما يصلى فرماه رجل من الكفار بسهم فنزعه وصلى ودمه يجرى. وعلم النبى صلى الله عليه وسلم به ولم ينكره.

مذهب الحنابلة:

قال ابن قدامه (?) : إن الخارج من البدن من غير السبيل ينقسم طاهرا ونجسا، فالطاهر لا ينقض الوضوء والنجس ينقض الوضوء فى الجملة رواية واحدة. وهذا القول بعمومة يتناول. دم الحجامة فهم يوافقون الأحناف فى وجوب الوضوء منه.

مذهب الظاهرية:

يقول ابن حزمة الظاهرى (6) لا ينتقض الوضوء برعاف ولا دم سائل من شىء من الجسد ولا بحجامة ولا فصد.

وبرهان ذلك أنه لم يأت قرآن ولا سنة ولا إجماع بإيجاب وضوء فى شىء من ذلك.

مذهب الزيدية:

يروى صاحب البحر الزخار (?) : إن- الدم السائل ينقض الوضوء، ورد على من نفى ذلك محتجا بأن النبى عليه الصلاة والسلام احتجم وصلى، بأن القول أقوى من الفعل فى الدلالة على التشريع، والسنة القولية التى استدل بها الزيديه على نقض الوضوء بالحجامة هى ما روى عن تميم الدارى عن رسول الله أنه قال الوضوء من كل دافق سائل.

مذهب الشيعة الجعفرية:

حصر صاحب المختصر النافع نوا قض الوضوء فى البول والغائط والريح المعتاد. والنوم الغالب على الحاستين السمع والبصر، وعلي الاستحاضة القليلة، وزاد صاحب الروضة (?) : ما يزيل العقل من جنون وسكر ومن هذا يتبين عدم النقض عندهم بالحجامة وما شابهها.

مذهب الإباضية:

جاء فى متن النيل (?) " وفى النقض بدم مرتفع ذى ظل وإن قرعة برأس أو شقاق

رجل.. قولان ".

والحجامة داخلة فى ذلك ففى النقض بها خلاف عندهم فيما يظهر.

ويتلخص من هذا أن القائلين بالنقض بالحجامة هم الأحناف والحنابلة والزيدية

وفى قول عند الإباضية، ومن عداهم من المذاهب المذكورة يرون عدم النقض بالحجامة.

أحجام الصائم

مذهب الحنفية:

جاء فى التنوير وشرحه (?) : ان الصائم إذا احتجم لا يفسد صومه، وعلل ذلك العينى فى شرح الكنز (?) بما رواه أبو داود من قوله صلى الله عليه وسلم " لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم ".

وقال: أن قوله عليه الصلا ة والسلام:

" أفطر الحاجم والمحجوم " منسوخ.

وروى الميرغينانى فى الهداية (?) الحديث بلفظ: " ثلاث لا يفطرن الصائم: القىء

والحطامة والاحتلام ".

وعلق على ذلك الكمال بن الهمام (?) بأن هذأ الحديث روى من عدة طرق وأحسنها ما رواه البزار من حديث ابن عباس رضى الله عنهما، وقال: انه أصح الروايات إسنادا ويجب أن يرتقى إلى درجة الحسن.

وفى المبسوط للسرخسى (?) : يحتج الحنفية لعدم الإفطار بالاحتجام بحديث أنس بن مالك رضى الله عنه.

قال: مر بنا أبو طيبة فى بعض أيام رمضان، فقلنا: من أين جئت؟

فقال: حجمت رسول أدلّه صلى الله عليه وسلم.

وفى حديث أبن عباس: أن النبى احتجم وهو صائم محرم، وعنه أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " شكا الناس إليه الدم فرخص للصائم أن يحتجم.

وهذه تبين طريق النسخ الذى أشار إليه العينى.

ويقول السرخسى أيضا: إن تأويل حديث " أفطر الحاجم والمحجوم " أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بهما وهما يغتابان. آخر فقال الحديث، والمراد: ذهب ثواب صومهما بالغيبة، وقيل الصحيح أنه غشى. على المحجوم فصب الحاجم الماء فى حلقه، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام

" أفطر الحاجم المحجوم "، فوقع عند الراوى أنه قال: أفطر الحاجم والمحجوم، ثم علل أيضا بأن خروج الدم من البدن لا يفوت ركن الصوم ولا يحصل به اقتضاء الشهوة وبقاء العبادة ببقاء ركنها.

مذهب المالكية:

قال المالكية (?) : إن الحجامة لا تفطر لما صححه الترمذى أن المصطفى عليه الصلاة والسلام احتجم وهو صائم فى صائم الوداع.

قال: فيكون هذا الحديث ناسخا لما روى من قوله: أفطر الحاجم والمحجوم.

وجاء فى المدونة (?) : ما يدل على الكراهة عند مالك، ولو احتجم رجل مسلم لم يكن عليه شىء.

ثم ساق الحديث: " ثلاث لا يفطرن "وحديث ابن عباس أن الرسول احتجم وهو صائم.

مذهب الشافعية:

جاء فى المنهاج وشرحه (?) : ولا تفطر الحجامة لما صح من احتجام الرسول وهو صائم، وقال إن خبر الإفطار منسوخ، وأن القياس يؤيد عدم الإفطار. ثم قال: إن الحجامة مكروهة للصائم، وجزم فى المجموع بأنه خلاف الأولى.

وقال الأسنوى: وهو المنصوص، فقد قال فى الأم: وتركه أحب إلى وعلق الشبراملسى فى حاشيته علي كون النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، بأنه ليس مكروها فى حقه وأن كره فى حق غيره لأنه يجوز أنه فعله لبيان الجواز، بل فعله المكروه يثاب عليه ثواب الواجب.

وقد رجعنا إلى " الأم " فى باب " ما يفطر الصائم " (?) فيما يتعلق بالحجامة فوجدنا عبارته:. قال الشافعى: روى عن النبى صلى الله عليه وسلم: " أفطر الحاجم والمحجوم "، وروى: أنه احتجم صائما. قال الشافعى: ولا نعلم مكانه وأحدا منهما ثابتا، ولو ثبت واحد منهما عن النبى قلت به، ولو ترك رجل الحجامة للتوقى لأن احب إلى، ولو احتجم لم أره يفطره.

مذهب الحنابلة:

قال ابن قدامه (?) : ان الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم، وذكر ممن قال به إسحاق وابن المنذر، وكان الحسن وابن مسروق وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم، وكان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلا فى الصوم منهم ابن عمر، وأبن عباس وغيرهما.

واحتج لمذهبهم بقول النبى صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم "، وقال: إنه رواه عن النبى أحد عشر نفسا، وذكر عن أحمد أن هذا الحديث أصح حديث يروى فى هذا الباب، وأطال فى الرد على القائلين بأن الحجامة لا تفطر الصائم.

مذهب الظاهرية:

وفى المحلى لابن حزم الظاهرى (?) ما يفيد أنه لا ينقض الصوم حجامة ولا احتلام، ثم قال: صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " فوجب الأخذ به إلا أن يصح نسخه وقد صح نسخه بحديث أن الرسول صلوات الله عليه أرخص فى الحجامة للصائم فقامت به الحجة، ولفظ أرخص لا تكون إلا بعد نهى فصح بهذا الخبر نسخ الخبر الأول.

مذهب الزيدية:

قال صاحب البحر (?) : لا يفسد الصوم بالحجامة إذ احتجم النبى صلى الله عليه وسلم صائما، ورخص للصائم فيه.

قال: وحديث "أفطر الحاجم والمحجوم " نسخ بالترخيص، أو لأنهما اغتابا فبطل ثوابهما، وإلا لزم فى الحجام ولا قائل به.

مذهب الشيعة الجعفرية:

يصوره ما جاء فى الروضة البهية والمختصر النافع (?) : لا يفسد الصوم بإخراج الدم المضعف، والإخراج المذكور يشمل الحجامة.

مذهب الإباضية:

جاء فى كتاب الوضع (?) : كرهوا للصائم أربعة، فإن فعلهن فلا بأس، وعد منها الحجامة بالنهار.

وفى شرح النيل (?) : كره احتجام نهارا مطلقا، وقيل فى آخر النهار، وقيل فى أوله لا لفساده بل لخوف الضعف فيؤدى للإفطار.

قالوا: ولم يصح حديث: الحجامة تنقض الصوم، وأما حديث أفطر الحاجم والمحتجم " فهو حكم عليهما بالإفطار لفعلهما أمرا مفطرا كنظر الحاجم إلى عورة المحتجم أو لاغتيابهما ويدل على ذلك ذكر الحاجم فإنه لا حجة قوية على أن من فعل بأحد ما يفطر به كان مفطرا.

ويتلخص موقفه فقهاء المذاهب المذكورة فى أنهم جميعا عدا الحنابلة يرون عدم فساد الصوم بالحجامة وان كان مكروها أو خلاف الأولى على التفصيل المذكور.

احتجام المحرم

مذهب الحنفية:

قال السرخسى (?) : وللمحرم أن يحتجم ويغتسل ويدخل الحمام لأن هذا كله من باب المعالجة، فالمحرم والحلال (أى غير المحرم) فيه سواء، ألا ترى أن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم بالقاحة (موضع بقرب المدينة) .

وقال الميرغينانى (?) : إن حلق المحرم موضع المحاجم فعليه دم عند أبى حنيفة. وقال الصاحبان عليه صدقة لأنه إنما يحلق لأجل الحجامة وهى ليست من المحظورات، فكذا ما يكون وسيلة- أليها إلا أن فيه إزالة شىء من التفث فتجب الصدقة.

مذهب المالكية:

نص خليل والدردير (?) على جواز الفصد للمحرم إذا كان لحاجة وإلا كره فيما يظهر.

وعلق الدسوقى بقوله: وعلى كل حال لا فديه. فيه. ومنه يبين حكم الحجامة

لا شتراكهما.

وفى المدونة (?) : سئل مالك: ألا يكره للحجام المحرم أن يحجم المحرمين ويحلق منهم مواضع المحاجم؟ قال مالك: لا أكره ذلك له إذا كان المحرم المحتجم إنما يحتجم لموضع

الضرورة.

مذهب الشافعية:

جاء فى الأم (?) ، قال الشافعى أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم. قال الشافعى: فلا بأس أن يحتجم المحرم من ضرورة أو غير ضرورة ولا يحلق الشعر.

مذهب الحنابلة:

يقول ابن قدامه (?) : أما الحجامة اذا لم يقطع شعرا فمباحة من غير فدية فى قول الجمهور لأنه تداو بإخراج دم فأشبه الفصد.

ولأن ابن عباس روى أن النبى احتجم وهو محرم، متفق عليه، ولم يذكر فديه، ولأنه لا يترفه بذلك، فأشبه شرب الأدوية.

وإن احتاج فى الحجامة إلى قطع شعر فله قطعه لما روى عبد الله بن بحينة أن رسول أدته صلى الله عليه وسلم احتجم بلحى جمل فى طريق مكة وهو محرم وسط رأسه متفق عليه.

ومن ضرورة ذلك قطع الشعر ولأنه يباح حلق الشعر لإزالة الأذى فكذلك هنا وعليه - الفديه، لقوله تعالى " فمن كان منكم مريضى أو به أذى من رأسه ففدية.. " الأيه.

مذهب الظاهرية:

يرى ابن حزم الظاهرى فى كتابه المحلى (?)

أن للمحرم أن يحتجم ويحلق موضع المحاجم ولا شىء عليه، ثم روى من طريق عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ومثله من طريق سفيان بن عيينة عن أبن عباس، ومن طريق مسلم عن ابن بحينة ولم يخبر عليه أن فى ذلك فدية ولا غرامة.

إباحة الفصد والحجامة.

مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار (?) : وله أن يفتصد ولا فديه، لأن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، وقاسوا على أباحه الاحتجام إباحة عصر الدماميل ونزع الشوك.

مذهب الشيعة الجعفريه:

جاء فى. المختصر النافع (?) : إن فى الحجامة بالنسبة للمحرم لغير ضرورة قولين أشبههما الكراهية.

مذهب الإباضية:

ويقول الإباضية كما فى كتاب الوضع (?) : على المحرم أن يترك فعل أربعة من بدنه، وذكر منها قطع شىء من بدنه وادماءه.

ثم قال: فان قطع شيئا من بدنه أو أدماه فعليه دم.

والإدماء يتناول الاحتجام إذ هو مخرج للدم لا محالة، وعلى هذا فان المذاهب الثمانية لا تمنع الاحتجام فى الاحرام، ومن عدا الإباضية لا يوجبون فديه لذات الاحتجام وقد نصت بعض المذاهب على وجوب الفدية لحلق موضع الحجامة وقيل الواجب صدقة ونص الظاهرية على إنه لا يجب شىء حتى فى هذا.

التداوى بالاحتجام

يتبين من القول السابق ذكرها أن الفقهاء مجمعون على أن التداوى بالاحتجام جائز غير محظور، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه تداوى به، وأن كثرة عديدة من الصحابة كانوا يفعلون ذلك.

وقد روى البخارى وابن ماجة أن النبى عليه الصلاة والسلام قال: " الشفاء فى ثلاث": شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار "

وقال الكرمانى فى شرحه للحديث: أن فيه إثبات الطب والتداوى 0

وقال العزيزى فى شرحه أيضا: إن الحجم أنجح هذه الثلاثة شفاء عند هيجان الدم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015