الأب وأحكام الهبة.

يذهب الحنابلة (?) : إلى أن الأب يقبض الهبة لولده الصغير والمجنون، ولو كان الأب غير مأمون قبل الحاكم الهبة للصغير ونحوه، أو كان الأب مجنونا قبل الحاكم الهبة لولده أو كان قد مات ولا وصى له، وللأب الحر أن يتملك من مال ولده ما شاء.

ثم قال صاحب "كشاف القناع": للأب فقط إذا كان حرا أن يتملك من مال ولده ما شاء ما لم يتعلق به حق كالرهن، مع حاجة الأب إلى تملك مال ولده ومع عدمها، فى صغر الولد وكبره، وسخطه ورضاه، وبعلمه وبغير علمه، لما روى الترمذى، وذكر انه حديث حسن، عن عائشة - رضى الله عنها - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم " وروى الطبرانى فى معجمه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " جاء رجل إلى النبى -صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبى اجتاح مالى، فقال: "أنت ومالك لأبيك".

ولأن الولد موهوب لأبيه بالنص القاطع، وما كان موهوبا كان له أخذ ماله كعبده، ويؤيده أن سفيان بن عيينة قال فى قوله تعالى: " ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون " (?) .

ذكر الأقارب دون الأولاد لدخولهم فى قوله تعالى " من بيوتكم "، لأن بيوت أولادهم كبيوتهم ولأن الرجل يلى مال ولده من غير تولية كمال نفسه.

مذهب الأحناف (?) : وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبة ملكها الابن بالعقد، لأنه فى قبض الأب فينوب عن قبض الهبة ولا فرق بين ما إذا كان فى يده أو فى يد مودعه، لأن يده كيده، بخلافه ما إذا كان مرهونا أو مغصوبا أو مبيعا بيعا فاسدا، لأنه فى يد غيره أو فى ملك غيره، والصدقة فى هذا كالهبة.

مذهب الشافعية (?) : وإن وهب للولد أو ولد الولد وإن سفل جاز أن يرجع لما روى ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهما رفعاه إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- " لا يحل للرجل أن يعطى العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما أعطى ولده "، ولأن الأب لا يتهم فى رجوعه لأنه لا يرجع إِلا لضرورة أو لإصلاح الولد وإن تصدق عليه فالمنصوص أن له أن يرجع كالهبة، ومن أصحابنا من قال: لا يرجع لأن القصد بالصدقة طلب الثواب وإصلاح حاله مع الله عز وجل، فلا يجوز أن يتغير رأيه فى ذلك، والقصد من الهبة إصلاح حال الولد، وربما كان الصلاح فى استرجاعه، فجاز له الرجوع، وإن تداعى رجلان نسب مولود ووهبا له مالا لم يجز لواحد منهما أن يرجع، لأنه لم يثبت له بنوته، فإن لحق أحدهما ففيه وجهان:

أحدهما: يجوز، لأنه فى ملك من يجوز له الرجوع فى هبته.

والثانى: لا يجوز، لأنه رجوع على غير من وهب له فلم يجز.

وأن وهب لولده شيئا فأفلس الولد وحجر عليه ففيه وجهان:

أحدهما: يرجع لأن حقه السابق لحقوق الغرماء.

والثانى: لا يرجع، لأنه تعلق به حق الغرماء فلم يجز له الرجوع كما لو رهنه. وللفقهاء فى جواز رجوعه فى الهبة شروط هى محل خلاف بينهم (انظر رجوع) .

مذهب المالكية (?) : جاء فى "الشرح الصغير": وصح حوز وأهب شيئا وهبه لمحجوره من صغير أو سفيه أو مجنون، كان وليه الواهب أبا أو غيره، لأنه هو الذى يحوز له. ثم قال (?) : وجاز للأب فقط لا الجد اعتصارها أى الهبة،:أى أخذها من ولده قهراً عنه بلا عوض مطلقا، ذكرا كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، فقيراً أو غنياً، سفيهاً أو رشيداً، حازها الولد أولا.

مذهب الظاهرية (?) : جاء فى "المحلى": ومن وهب هبة صحيحة لم يجز له الرجوع فيها أصلا مذ يلفظ بها، إلا الوالد والأم فيما أعطيا أو أحدهما لولدهما، فلهما الرجوع فيه أبداً، الصغير والكبير سواء، وسواء تزوج الولد أو الابنة على تلك العطية أو لم يتزوجا، داينا عليها أو لم يداينا. فإن فات عينها فلا رجوع لهما بشىء، ولا رجوع لهما بالغلة، ولا بالولد الحادث بعد الهبة. فإن فات البعض وبقى البعض كان لهما الرجوع فيما بقى.

مذهب الزيدية (?) : جاء فى "التاج المذهب": ويقبل إذا وهب للصبى وكذا المجنون وليه المتولى لماله ولو من جهة الصلاحية أو يقبل هو فإنه يصح قبوله إن كان مأذونا له بالتصرف مطلقا، وإن لم يكن مأذونا لم يصح قبوله، بل يقبل له ولى ماله. قال فى البيان: ولا حكم لرد المولى لما قبله له الأجنبى وقبله الصبى المميز، فإذا أجازه الولى من بعد إجازة الصبى بعد بلوغه صح.

قال فى "التاج (?) المذهب" وهو يتحدث عن شروط جواز الرجوع فى الهبة: ألا يكون الموهوب له ذا رحم محرم، نسبا لارضاعا، فإن كان ذا رحم محرم نسبا لم يجز الرجوع فيها ولم يصح سواء كانت الهبة لله أم لا، إلا الأب ولو فاسقا أو كافرا، فله الرجوع فى هبة طفله متى لم يحصل أحد الموانع، وإذا لم يكن طفلا بل كان بالغا ولو مجنونا أصليا أم طارئا لم يصح للأب الرجوع فيما وهب له. فلو وهب له فى صغره وأراد الرجوع بعد بلوغه لم يصح ذلك. وقال (?) : ويكره تنزيها مخالفة التوريث فى الهبة والصدقة ونحوهما من نذر ووقف ووصية، لأنه يؤدى إلى إيغار الصدور، ولما فيه من الحيف عن سنن العدل، وصريح الأحاديث قاضية بالعدل والتسوية بين الأولاد فى النحل والعطية، إلا أن يفضل أحد الورثة لبره، أو لكثرة عائلته، أو لضعفه: كالأعمى والمقعد ونحوهما، أو لفضله، فإن ذلك غير مكروه إلى قدر الثلث.

مذهب الإمامية (?) : قال فى "المختصر النافع": لو وهب الأب أو الجد للولد الصغير لزم لأنه مقبوض بيد الولى ولا يرجع - أى الولد- فى الهبة لأحد الوالدين بعد القبض.

مذهب الأباضية (?) : جاء فى" شرح النيل": يشترط القبض فى صحة هبة الأب لولده ذكرا أو أنثى كذا قيل. وذكر قومنا أن من أعطى ابنه أو ابنته عند التزوج شيئا لم يحتج للقبض، فإن مات ابنه أو بنته أخذ منه وارثه، لأنه لما أنعقد عليه النكاح صار كالبيع، وقيل: لا تصح إلا بالقبض. (وصح عود والد فيها) أى فى الهبة، وذلك فى الحكم وعند الله، إلا أن عنى التقرب إلى الله بإعطائه ولده فلا يجوز له الرجوع عند الله، وإن أحدث الولد أمرا فيه لم يصح الرجوع إلا إن خرج من ملكه ثم رجع فلا رجوع للأب فيه لحديث " لا يحل الرجوع فى الهبة إلا لوالد ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015