مذهب الشافعية: جاء فى "المهذب": لا يتصرف الناظر أبا أو غيره فى مال الصغير إلا بما فيه حظ واغتباط. ثم قال فى "المهذب" أيضاً (?) : ولا يسافر بمال الصغير من غير ضرورة، فإن دعت إليه ضرورة بأن خاف عليه الهلاك فى الحضر لحريق أو نهب جاز أن يسافر به، لأن السفر هاهنا أحوط.
ولا يودع ماله ولا يقرضه من غير حاجة لأنه يخرجه من يده فلم يجز. فان خاف من نهب أو حريق أو غرق أو أراد سفرا وخاف عليه جاز الإيداع والإقراض، فان قدر على الإيداع دون الإقراض أودعه ثقة، وإن قدر على الإقراض دون الإيداع أقرضه ثقة مليئا، فإن أقرض ورأى أخذ الرهن عليه أخذ، وان رأى ترك الرهن لم يأخذ، وأن قدر على الإيداع والإقراض فالإقراض أولى لأن القرض مضمون بالبدل والوديعه غير مضمونة فكان القرض أحوط.
ويجوز أن يقترض له إذا دعت إليه الحاجة ويرهن ماله عليه لأن فى ذلك مصلحه له فجاز.
وينفق عليه بالمعروف من غير إسراف ولا تقتير وإن رأى أن يخلط ماله بماله فى النفقة جاز لقوله تعالى: " وإن تخالطوهم فإخوانكم " (?) .
فإن بلع الصبى واختلفا فى النفقة فإن كان الولى هو الأب أو الجد فالقول قوله وإن كان غيرهما ففيه وجهان:
أحدهما: يقبل لأن فى إقامة البينة على النفقة مشقة فقبل قوله.
والثانى: لا يقبل قوله كما لا يقبل فى دعوى الضرر والغبطة فى بيع العقار.
وإِن أراد أن يبيع ماله بماله (?) فان كان أبا أو جداً جاز ذلك، لأنهما لا يتهمان فى ذلك لكمال شفقتهما، وإن كان غيرهما لم يجز لأنه متهم فى طلب الحظ له فى بيع مال موليه من نفسه. ثم قال: وان أراد أن يأكل من ماله فإن كان غنيا لم يجز لقوله تعالى "ومن كان غنيا فليستعفف (?) " وإن كان فقيرا جاز أن يأكل لقوله تعالى " ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف " (?)
وفى ضمان الأب للبدل قولان:
أحدهما: لا يضمن لأنه أجيز له الأكل بحق الولاية فلم يضمنه كالرزق الذى يأكله الإمام من أموال المسلمين.
والثانى: يضمن لأنه مال لغيره أجيز له أكله للحاجة فوجب ضمانه كمن اضطر إلى مال غيره.
ويرى الحنابلة: أن للأب أن يبيع ويشترى ويرهن لنفسه من مال موليه، ولا يصح (?) إقرار الولى عليه بمال ولا إتلاف، لأنه إقرار على الغير. وأما تصرفاته النافذة منه كالبيع والإجارة وغيرهما فيصح إقراره بها كالوكيل ولا يصح أن يأذن له فى حفظ ماله: ولوليه مكاتبة رقيقه وعتقه على مال إن كان فيه حظ، وله تزويج رقيقه من عبيد وإماء لمصلحة. والسفر بما له لتجارة وغيرها فى مواضع آمنة فى غير بحر، ولا يدفعه إلا إلى الأمناء، ولا يغرر بماله، وله المضاربة بماله بنفسه ولا أجرة له فى نظير اتجاره به، والربح كله للمولى عليه والتجارة بماله أولى من تركها لحديث " اتجروا فى أموال اليتامى لئلا تأكلها الصدقة " فقاسوا الأب على ولى اليتيم فى ذلك. وله دفعه مضاربة إلى أمين يتجر فيه بجزء من الربح وله ابضاعه وهو دفعه إلى من يتجر فيه، والربح كله لمولى عليه. وله بيعه نسيئة لملىء وقرضه لمصلحة فيهما، ولا يقرضه الولى لمودة ومكافأة. ولا يقترض وصى ولا حاكم منه شيئا لنفسه، كما لا يشترى من نفسه ولا يبيع لنفسه للتهمة، وجاز ذلك للأب لعدم التهمه عند الأب لكمال شفقته. وللأب أن يرتهن ماله لنفسه، ولا يجوز ذلك لولى غيره، ولوليه أبا كان أو غيره شراء العقار له من ماله ليستغل مع بقاء الأصل له. وله بناؤه بما جرت به عادة أهل بلده ومتى كان خلط مؤنته بقوت وليه (?) أرفق وألين لعيشه فهو أولى طلبا للرفق، قال تعالى: " وإن تخالطوهم فإخوانكم " وإن كان أفراده أرفق أفرده، ويجوز تركه فى المكتب ليتعلم ما ينفعه، وتعليم الخط والرماية والأدب وما ينفعه وأداء الأجرة عنه من ماله. وله أن يسلمه فى صناعة إذا كانت مصلحة. وله بيع عقاره لمصلحه ولو لم يحصل زيادة على ثمن مثله. وأنواع المصلحة كثيرة إما لاحتياج نفقة أو كسوة أو قضاء دين أو ما لابد منه وليس له ما تندفع به حاجته أو يخاف عليها الهلاك بغرق أو خراب أو يكون فى بيعه غبطة أو يكون فى مكان لا ينتفع به أو كان نفعه فيه قليلا فيبيعه ويشترى له بثمنه. وإن أوصى له بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته وجب على الولى قبول الوصية وإلا لم يجز له قبوله.
وتملك الأب مال الولد بشروط ستة:
أحدها: أن يكون فاضلا عن حاجة الولد لئلا يضره.
الثانى: ألا يعطيه الأب لولد آخر فلا يملك من مال ولده زيد ليعطيه لولده عمرو.
الثالث: ألا يكون التملك فى مرض موت أحدهما.
الرابع: ألا يكون الأب كافرا والابن مسلما، لا سيما إذا كان الابن كافرا ثم أسلم وقال ابن قدامة صاحب "المغنى": الأشبه أن الأب المسلم ليس له أن يأخذ من مال ولده الكافر شيئا لانقطاع الولاية والتوارث بينهما.
الخامس: أن يكون ما يتملكه الأب عينا موجودة فلا يتملك الأب دين ابنه بقبضه.
السادس: ولا يصح تصرفه فى مال ولده قبل القبض مع القول أو النية ولو عتقا. ولا يملك الأب إبراء نفسه من دين ولده، ولو أقر الأب بقبض دين ولده من غريمه فأنكر الولد أو أقر بالقبض رجع الولد على غريمه بدينه لعدم براءته بالدفع إلى أبيه ورجع الغريم على الأب بما أخذه منه إن كان باقيا، وببدله أن كان تالفا، لأنه قبض ما لبس له قبضه لا بولاية ولا بوكالة، ولو أقر بقبض دين ابنه فأنكر رجع على غريمه وليس لولد ولا لورثته مطالبة أبيه بدين قرض ولا ثمن مبيع ولا قيمة متلف ولا ارش جناية ولا بأجرة ما أنتفع به من ماله، لما روى الخلال أن رجلا جاء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم- بأبيه يقتضيه دينا عليه فقال: " أنت ومالك لأبيك " وليس للابن أن يحيل عليه بدينه ولا مطالبة للولد على والده بغير ذلك من سائر الحقوق إلا بنفقته الواجبة على الأب لفقر الابن وعجزه عن التكسب فله الطلب بها وله مطالبته بعين مال له فى يده ويحرم الربا بينهما كما يحرم بين الأجنبيين لتمام ملك الولد على ماله واستقلاله بالتصرف فيه ووجوب زكاته عليه وتوريث ورثته وحديث " أنت ومالك لأبيك " على معنى سلطة التملك ويدل عليه إضافة المال للولد. ويثبت للولد فى ذمة الوالد الدين من بدل قرض وثمن مبيع ونحوه (?) .
ولا يسقط بموته فيؤخذ من تركته، ولا يملك إحضاره فى مجلس الحكم، فإن أحضره فادعى الولد عليه فأقر الأب بالدين أو قامت به بينة لم يحبس، وإن وجد عين ماله الذى أقرضه لأبيه أو باعه له بعد موته فله أخذه إن لم يكن قبض ثمنه لتعذر العوض، ولا يكون ما وجد من عين المال ميراثا لورثة الأب بل هو له دون سائر الورثة. ولو قضى الأب الدين الذى عليه لولده فى مرضه أو أوصى بقضائه فمن رأس ماله، لأنه حق ثابت لا تهمة فيه، فكان من رأس المال كدين الأجنبى، ولا اعتراض للأب على تصرف الولد فى مال نفسه بعقود المعاوضات وغيرها، لتمام ملك الولد على ماله.
وعند الأحناف (?) : إذا أذن ولى الصبى للصبى فى التجارة وكان يعقل البيع والشراء ينفذ تصرفه، والمعتوه الذى يعقل البيع والشراء بمنزلة الصبى يصير مأذونا بإذن الأب والجد دون غيرهما وحكمه حكم الصبى.
ويجوز للأب أن يرهن بدين عليه عينا لابنه الصغير لأنه يملك الإيداع وهذا أنظر فى حق الصبى منه لأن قيام المرتهن بحفظها أبلغ خيفة الغرامة ولو هلكت تهلك مضمونة والوديعة تهلك أمانة والوصى بمنزلة الأب فى هذا الباب لما بينا.
وعن أبى يوسف وزفر- رحمهما الله-:أنه لا يجوز ذلك منهما، وهو القياس، اعتبارا بحقيقة الإيفاء ووجه الفرق على الظاهر وهو الاستحسان أن فى حقيقة الإيفاء إزالة ملك الصغير من غير عوض يقابله فى الحال، وفى هذا نصب حافظ لماله ناجزا مع بقاء ملكه فوضح الفرق. وإذا جاز الرهن يصير المرتهن مستوفيا دينه لو هلك فى يده، ويصير الأب أو الوصى موفيا له ويضمنه للصبى لأنه قضى دينه. ثم قال: وإذا رهن الأب متاع الصغير من نفسه، أو من ابن له صغير، أو عبد له تاجر لا دين عليه- جاز، لأن الأب لوفور شفقته أنزل منزلة شخصين وأقيمت عبارته مقام عبارتين فى هذا العقد، كما فى بيعه مال الصغير من نفسه فتولى طرفى العقد (?) وإذا رهن الأب متاع الصغير فأدرك الابن ومات الأب فليس للابن أن يرده حتى يقضى الدين، لوقوعه لازما من جانبه، إذ تصرف الأب بمنزلة تصرفه بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه، ولو كان الأب رهنه لنفسه فقضاه الابن رجع به فى مال الأب، لأنه مضطر فيه لحاجته إلى إحياء ملكه فأشبه معير الرهن وكذا إذا هلك قبل أن يفتكه لأن الأب يصير قاضيا دينه بماله فله أن يرجع عليه. ولو رهنه بدين على نفسه وبدين على الصغير جاز، لاشتماله على أمرين جائزين. فإن هلك ضمن الأب حصته من ذلك الولد لإيفائه دينه من ماله لهذا المقدار وكذا الوصى وكذا أب الأب إذا لم يكن الأب أو وصى الأب.
مذهب المالكية (?) :
إن للأب بيع مال ولده المحجور عليه تحت ولايته أصلا أو ثمرة، إذ تصرفه محمول على المصلحة وإن لم يبين السبب، وله الأخذ بالشفعة، وترك قصاص وجب للمحجور عليه بالنظر والمصلحة، وليس له العفو عن عمد أو خطأ بالمجان. وله إسقاط الشفعة إذا كان ذلك عن نظر فلا تسقط بلا نظر على الراجح، ومقابله أنها تسقط بإسقاطه مطلقا.
ويجوز للأب أن يرهن مال محجوره فى دين استدانه على المحجور لمصلحته كالطعام والكسوة وغيرهما من الأمور الضرورية (?) .
ويجوز للأب رد تصرف سفيه أو صبى مميز بمعاوضة باشره بلا إذن وليه كبيع وشراء وهبة ثواب، فإن لم يكن بمعاوضة، كهبة وصدقة وعتق، تعين على الأب رده، كإقرار من المحجور عليه بدين فى ذمته أو بإتلافه شيئا لغيره فيتعين عليه رد الإقرار. وإذا ترك الأب رد ذلك كان للصبى المميز رده إذا رشد (?) .
والظاهرية والإمامية والزيدية: يجيزون للولى، أبا أو غيره، أن يتصرف فى مال من فى ولايته لمصلحة. أما بالنسبة للرهن فيقول الظاهرية: لا يجوز للأب ولا للوصى أن يرهن مال موليه عن نفسه، كما لا يجوز لأحد أن يرهن مالا لغيره إلا بإذن مالكه (?) .
ويقول الإمامية: وللولى أن يرهن لمصلحة المولى عليه، وليس للراهن التصرف فى الرهن بإجارة ولا سكنى ولا وطء، لأنه تعريض للإبطال وفيه رواية بالجواز مهجورة.
الأب وإسقاط حق موليه فى الشفعة:
ترك الأب طلب الشفعة لموليه لا يسقط حقه فى الشفعة وله الأخذ بها إذا بلغ وعقل ورشد على تفصيل فى المذاهب. (انظر شفعة) .