آمة

الآمة فى اللغة (?) هى الشجة التى تفضى إلى أم الدماغ وأم الدماغ جلدة رقيقة مفروشة عليه متي انكشفت عنه مات من أصابه ذلك غالبا.

ولا يختلف معنى الآمة فى الفقه عن معناها اللغوى، ومن ذلك قول الحنابلة: الآمة والمأمومة شىء واحد.

قال ابن عبد البر: أهل العراق يقولون لها الآمة، وأهل الحجاز: المأمومة، وهى الجراحة الواصلة إلى أم الدماغ.

سميت أم الدماغ لأنها تحوطه وتجمعه. فإذا وصلت إليها سميت آمة ومأمومة ويوافقهم فى هذا الاستعمال الحنفية والشافعية والمالكية والظاهرية والشيعة والجعفرية والزيدية. (?) ويزيد الإباضية فيطلقون على الأمة أيضا. " الناقبة " و " اللآمة " لما فيها من معنى اللفظين (?) .

أحكام الآمة

حكم القصاص فى عمدها

قال الإمام مالك فى " الموطأ ": الأمر المجتمع عليه عندنا أن المأمومة والجائفة ليس فيها قود

(أى قصاص) وعلق عليه شارحه أبو الوليد. الباجى فقال: " وبهذا قال أكثر الفقهاء، وهو المروى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه، قال ابن المواز: أجمع جميع الفقهاء على ذلك إلاَ ربيعة. والدليل على ما نقوله أن معني القصاص أن يحدث عليه مثل ما جني، ولما كان الغالب من هذه الجناية أنها لا تقف على ما انتهت اليه فى المجني عليه بل تؤدى إلى النفس (أى إلى إزهاقها) لم يجز القصاص فيها لأن قصد القصاص يكون قصدا إلى أتلاف النفس ". وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية وهو الراجح فى مذهب الإمامية (?) .

وقد خالفه فى ذلك أبو محمد على بن حزم الظاهرى (?) إذ يرى أنه يقتص فى عمد الآمة كما يقتص من سائر جراح العمد إلا أن يعفو صاحب الحق ويتصالح لأن النص عام فى قوله تعالى: (والجروح قصاص ((?) بضم الحاء، وفى قوله تعالى: (والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ((?) (وماكان ربك نسيا ((?) .

فلو علم الله تعالى أن شيئا من ذلك لا يمكن فيه مماثلة لما أجمل لنا أمره بالقصاص فى الجروح جملة ولم يخص شيئا منها.

الحكم فى الآمة:

الحنفية والمالكية والحنابلة والزيدية يقولون: يجب فى الآمة ثلث الدية لا فرق بين عمدها وخطئها ويستدلون بما ورد فى كتاب النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل اليمن وهو الذى رواه عمرو بن حزم عن أبيه من قوله " وفى المأمومة ثلث الدية " وبأدلة أخرى (?) يقررها ابن قدامة.

والراجح فى مذهب الشافعية (?) أنه لا يجب فيها إلا ثلث الدية خلافا لمن يرى أن فيها مع الثلث حكومة (ما يقدره خبير وهو الأرش المقدر) لخرق غشاوة الدماغ كما أن فى الجائفة الثلث والحكومة.

والإباضية يقولون (?) : فى المأمومة ثلث الدية ويفرقون بين الخطأ والعمد فيقولون " ولا تأديب فى الخطأ ولا قصاص، وأما العمد ففيه التأديب ولو بتعزير أو نكال مع الأرش أو العفو "

وأما ابن حزم الظاهرى (?) : فيرى أنه لا تجب دية فى شىء مما دون النفس خطأ ويقول بعد تقريره أن القصاص واجب فى كل ما كان بعمد من جرح أو كسر.

وبقى الكلام: هل فى ذلك العمد دية يتخير المجنى عليه فيها أو فى القصاص أم لا وهل فى الخطأ فى ذلك- دية مؤقتة (أى معينة من الشارع مبينة) أما لا؟ قال على (يعني نفسه) : فنظرنا فى هذا فوجدنا الله تعالى يقول: " وليس عليكم جناح فيما خطأتم به، ولكن ما تعمدت. قلوبكم (?) "

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ان الله تجاوز لى عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . وقال الله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ألا أن تكون تجارة عن تراض منكم (?) (.

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام) فصح بكل ما ذكرنا أن الخطأ كله معفو عنه لا جناح على الإنسان فيه، وإنما الأموال محرمة، فصح من هذا ألا يوجب على أحد حكم فى جنايه خطأ، ألا أن يوجب ذلك نص صحيح أو إجماع متيقن وإلا فالأموال محرمة والغرامة ساقطة لما ذكرنا.

الحكم فى الآمة تقع على العبد:

الحنفية (?) : إذا جنى أحد على العبد آمة ففى المذهب قولان: أحدهما وهو الصحيح وظاهر الرواية أن أرشها ثلث قيمة العبد بالغة ما بلغت.

الثانى: وهو الذى فى عامة الكتب وجزم به فى الملتقى أن الأرش هو ثلث القيمة غير أنه لا يزاد على ما يجب للحر من الدية بل يجب أن ينقص ثلثه عن ثلث دية الحر بثلاثة دراهم وثلث درهم، وذلك أخذا بأثر ابن مسعود الذى يقرر أنه " لا يبلغ بقيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة دراهم " وهذا كالمروى عن النبى - صلى الله عليه وسلم- لأن المقادير لا تعرف بالقياس، وإنما طريق معرفتها السماع من صاحب الوحى.

ولما كان المقدر نقصه فيما يقابل بالدية الكاملة من قيمة العبد هو عشرة دراهم كان الذى ينقص من الثلث إذا بلغ ثلث الدية هو ثلاثة دراهم وثلث درهم.

وفى مذهب الحنابلة (?) : إذا كان الفائت بالجناية على العبد مؤقتا فى الحر ففيه عن أحمد روايتان إحداهما أن فيه ما نقصه بالغا ما بلغ، وذكر أبو الخطاب أن هذا هو اختيار الخلال.

والأخرى: وهى ظاهر المذهب أن فيه من القيمة بمقدار ما للحر من الدية، وعلى هذا يكون فى الآمة تقع على العبد ثلث قيمته ...

وفى مذهب الشافعية (?) : قولان كما فى مذهب الحنابلة، أرجحهما أن فى الجناية على العبد من القيمة ما للحر من الدية، وعلى هذا يكون فى الآمة ثلث القيمة. والقول الثانى: وهو القديم، ان فيها ما نقص من القيمة نظرا إلى انه مال.

اما المالكية والزيدية والإمامية والإباضية فيرون أن ما وجب فيه للحر ثلث الدية كالأمة فيه ثلث القيمة من العبد (?) .

ويرى ابن حزم الظاهرى (?) : أنه إذا جنى أحد على عبد أو أمة خطأ ففى ذلك ما نقص من قيمته بأن يقوم صحيحا مما جنى عليه ثم يقوم كما هو الساعة ويكلف الجانى أن يعطى مالكه ما بين القيمتين وإذا جنى أحد عليهما عمدا. ففى ذلك القود وما نقص من قيمتهما، أما القود فللمجنى عليه وأما ما نقص من القيمة فللسيد فيما اعتدى عليه من ماله.

الواجب فى الآمة يحدثها العبد:

يقول الحنفية (?) : إذا جنى عبد جناية دون النفس) كالآمة مثلا (عمداً أو خطأ فمولاه بالخيار بين أن يدفعه إلى ولى الجناية فيملكه بجنايته وبين أن يفديه بأرشها، وذلك لما روى عن ابن عباس أنه قال: " إذا جنى العبد فمولاه بالخيار ان شاء دفعه وإن شاء فداه "..

واختلفوا هل الواجب الأصلى هو دفع العبد او هو فداؤه على قولين أولهما هو الصحيح كما فى الهداية والزيلعى، ويترتب على القول الأول أن يسقط الواجب بموت العبد، وعلى القول الثانى " أن السيد لو اختار الفداء ولم يقدر عليه أداه متى وجد ولا يبرأ بهلاك العبد.

وإذا فدى السيد عبده ثم جنى العبد بعد ذلك جناية أخرى فحكمها كالأولى بالتفصيل الذى ذكرناه لأنه لما فداه عن الأولى صارت كان لم تكن، وكانت الجناية الثانية كالمبتدأة، فإن جنى جنايتين دفعه بهما الى وليهما أو فداه بأرشهما "

والمالكية يقولون: إذا جنى الآمة عبد على حر فثلث الدية فى رقبة العبد أى أن العبد تتعلق جنايته بنفسه لا بذمته ولا بذمة سيده، فهو فيما جنى، فإن شاء سيده أسلمه فيها وأن شاء فداه بأرشها ولا يطالب السيد ولا العبد بشئ إذا زاد ثلث الدية عن قيمته.

وإذا كانت جناية العبد على عبد فكذلك غير أن الثلث. الواجب هنا هو ثلث قيمة العبد المجنى عليه فيخير سيد العبد الجانى بين ان يسلم عبده لولى الجناية أو يفديه (?) . والشافعية يقولون (?) : إذا جنى العبد جناية موجبة للمال ومنها الآمة تعلق المال برقبته لا بذمته والسيد بالخيار بين بيعه بنفسه أو تسليمه للبيع وبين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية فان لم يفعل باعه القاضى وصرف الثمن الى المجنى عليه وإذا سلمه للبيع وكان الأرش يستغرق قيمته بيع كله وإلا فبقدر الحاجة إلا أن يأذن التقيد أو لم يوجد من يشترى بعضه.

والحنابلة يقولون (?) ": إذا جنى العبد آمة أو غيرها فعلى سيده أن يفديه أو يسلمه فإن كانت الجناية أكثر من قيمته لم يكن على سيده كثر من قيمته. وقال ابن قدامة تعليقا عليه وتعليلا للحكم فى الموضع نفسه: هذا فى الجناية التى تودى بالمال أما لكونها لا توجب إلا المال وأما لكونها موجبة للقصاص فعفا عنها إلى المال، فان جناية العبد تتعلق برقبته، إذ لا بخلو من أن تتعلق برقبته او ذمته أو ذمة سيده أو لا يجب شىء، ولا يمكن إلغاؤها لأنها جناية آدمى فيجب اعتبارها كجناية الحر، ولأن جناية الصغير والمجنون غير ملغاة مع عذره وعدم تكليفه، فجناية العبد أولي، ولا يمكن تعلقها بذمته لأنه أفضى إلى إلغائها أو تأخير حق المجني عليه إلى غير غايته، ولا بذمة السيد لأنه لم يجن فتعين تعلقها برقبة العبد. ولأن الضمان موجب جنايته فتعلق برقبته كالقصاص ثم لا يخلو أرش الجناية من أن يكون بقدر قيمته فما دون أو كثرا، فإن كان بقدرها فما دون فالسيد مخير بين أن يفدية بأرش جنايته أو يسلمه الى ولى الجناية فيملكه، لأنه إن دفع أرش الجناية فهو الذى وجب للمجنى عليه فلم يملك المطالبة بأكثر منه، وإن سلم العبد فقد أدى المحل الذى تعلق الحق به " ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها، وإن طالب المجنى عليه بتسليمه إليه وأبى ذلك سيده لم يجبر عليه لما ذكرنا. وأن دفع السيد عبده فأبى الجانى قبوله، وقال بعه وأدفع إلى ثمنه فهل يلزم ذلك؟ على روايتين، وأما إن كانت الجناية كثر من قيمته ففيه روايتان: إحداهما: أن سيده يخير بين أن يفديه بقيمته أو أرش جنايته وبين أن يسلمه. والرواية الثانية: يلزمه تسليمه إلا أن يفديه بأرش جنايته بالغة ما بلغت.

والزيديه (?) : - عندهم روايتان عن على إحداهما إذا جنى العبد جناية لا قصاص فيها ومنها الآمة لا يلزم سيده أكثر من ثمنه فإذا اختار ولى الدم الأرش فليس على سيده الا تسليم قيمته فقط ما لم تعد دية الحر.

وهذا مذهب الهادى والمؤيد وحجته ما رواه زيد بن على عن أبيه عن جده عن على قال فى جناية العبد لا يلزم سيده أكثر من ثمنه ولا يبلغ بدية عبد دية حر والأخرى أن السيد بخير بين تسليم العبد للمجنى عليه فيسترقه وبين أن يسلم له كل الأرش بالغا ما بلغ.

وقد روى هذه الرواية الأخيرة محمد ابن منصور بأسانيده عن الحارث عن على ولا شىء على السيد إن امتنع المجنى عليه من قبول العبد، فلو باعه أو اعتقه بعد ذلك لم يلزمه إلا قدر قيمته والزائد على العبد يطالب به إذا اعتق بخلاف ما إذا باعه او أعتقه قبل ذلك فانه يكون اختيار منه لالتزام الأرش فيلزمه جميعه، وكذا لو أخرجه عن ملكه بأى وجه من وجوه التصرف بعد علمه بالجناية فهو مختار وعليه الأرش وتصرفه صحيح وأن كان لا يعلم فعليه الأقل من- قيمته ومن أرش الجناية وأن مات العبد قبل ان يختار سيده لم يلزم المولى شىء من أرش الجناية. ويقول الإمامية (?) : جناية العبد تتعلق برقبته ولا يضمنها المولى، وللمولى فكه بأرش الجناية ولا تأخير لمولى المجنى عليه ولو كانت الجناية لا تستوعب قيمته تأخير المولى فى دفع الأرش أو تسليمه ليستوفى المجنى عليه قدر الجناية استرقاقا أو بيعا. والإباضية يقولون (?) : إذا أحدث العبد جرحا (كآمة) مثلا فان كان الأرش الواجب فيها مساويا لقيمة العبد أو أكثر كانت لرب العبد الخيار فى أن يعطيه العبد الجانى أو يعطيه قيمته وإن كان للأرش الواجب أقل من نفس العبد كان للمجنى عليه أرشه الواجب له فقط، وهو هنا الثلث ثلث الدية إن كانت الجناية على حر وثلث- القيمة إن كانت الجناية على عبد.

ويرى ابن حزم الظاهرى (?) : أن جناية العبد التى يترتب عليها مال هى فى مال العبد أن كان له مال، فإن لم يكن له مال ففى ذمته يتبع به حتى يكون له، مال فى رقَه أو بعد عتقه وليس على سيده فداؤه لا بما قل ولا بما كثر ولا إسلامه فى جنايته ولا بيعه فيها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015