وقد تقدم كذلك إنكار بعضهم لبعض صفات المعاني، وهما صفتا السمع والبصر وهذا يدل على أن المذهب الأشعري قد تغير كثيراً وازداد انحرافاً وخطى خطوات واسعة للاقتراب من المعتزلة خاصة بعد الجويني وعند الغزالي والرازي على وجه الخصوص.
المسألة الرابعة: اتفاقهم مع المعتزلة على خلق القرآن. وهذا الموضوع أفردته بمسألة مستقلة لشدة خطورته، فإن الأئمة الأعلام مجمعون على تكفير من قال بخلق القرآن. والأشاعرة قد أظهروا مخالفة المعتزلة في الكلام فقالوا: إن كلام الله غير مخلوق، ولما كان هذا يتعارض مع مسألة نفي حلول الحوادث قالوا: مرادنا بقولنا الكلام غير مخلوق: الكلام النفسي، أما الألفاظ فهي مخلوقة، وهذا يشمل القرآن!! من عبارتهم: "ومذهب أهل السنة أن القرآن بمعنى الكلام النفسي ليس مخلوق، وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلوق، لكن يمتنع أن يقال: القرآن مخلوق ويراد به اللفظ الذي نقرؤه إلا في مقام التعليم، لأنه ربما أوهم أن القرآن بمعنى كلامه تعالى مخلوق، ولذلك امتنعت الأئمة من القول بخلق القرآن. (?) " اهـ.
فهذه هي الموافقة الصريحة للمعتزلة في هذه المسألة. وهكذا حاول علماء الأشاعرة إنهاء هذه المشكلة الكبيرة بهذا التقسيم المبتدع الخارق للإجماع، ثم إنه عجب أن يكون سبب امتناع الأئمة من التصريح بخلق القرآن هو إيهام القول بخلق الكلام النفسي! فإذا كان هذا هو التعليل الصحيح فلماذا سفكت دماء عدد من العلماء؟ - ولماذ تخفى بعضهم؟ ولماذا أصر إمام أهل السنة والجماعة الإمام المبجل أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه الله على القول بأن القرآن كلام الله بل أصر على كلمة "غير مخلوق" وأنكر على من لم ير زيادة هذه الكلمة؟ (?) أَبَعْدَ هذا كله يقال إن الأئمة الأعلام سكتوا عن بيان مسألة قام المقتضي لبيانها، حتى تفلسف هؤلاء الأشاعرة فقالوا يجوز بيان ذلك في مقام التعليم؟، مع أن المقام زمن الأئمة قد جمع بين أمور: مقام التعليم، ومقام حفظ الأنفس، ومقام وحدة المسلمين!
¤منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف - 2/ 665