لقد وجه إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء سؤال حول حديث ((كنت سمعه الذي يسمع به .... )) الذي يستدل به الصوفية على موقفهم الخاطئ، وفيما يلي نص السؤال والجواب: السؤال: ما معنى قوله تعالى في الحديث القدسي: ((فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)) (?)؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:
الجواب: إذا أدى المسلم ما فرض عليه ثم اجتهد في التقرب إلى الله تعالى بنوافل الطاعات واستمر على ذلك وسعه أحبه الله تعالى، وكان عونا له في كل ما يأتي ويذر، فإذا سمعه كان مسدداً من الله في سمعه فلا يستمع إلا الخير ولا يقبل إلا الحق وينزاح عنه الباطل، وإذا أبصر بعينه أو قلبه أبصر بنور من الله فكان في ذلك على هدى من الله وبصيرة نافذة بتأييد الله وتوفيقه، فيرى الحق حقاً والباطل باطلاً، وإذا بطش بشيء بطش بقوة من الله فكان بطشه من بطش الله نصرة للحق، وإذا مشى فكان مشيه في طاعة الله طلباً للعلم وجهاداً في سبيل الله، وبالجملة كان عمله بجوارحه الظاهرة والباطنة بهداية من الله وقوة منه سبحانه. وبهذا يتبين أنه ليس في الحديث دليل على حلول الله في خلقه أو اتحاده بأحد منهم، ويرشد إلى ذلك ما جاء في آخر الحديث من قوله تعالى: ((ولئن استعاذ بي لأعيذنه)) وما جاء في بعض الروايات من قوله: "فبي يسمع وبي يبصر .. إلخ" فإن ذلك إرشاد إلى المراد في أول الحديث وتصريح بسائل ومسؤول ومستعيذ ومعيذ ومستعين ومعين، وهذا الحديث نظير الحديث القدسي الآخر، يقول الله تعالى: ((عبدي مرضت فلم تعدني .. الخ)) (?) فكل منهما يشرح آخره أوله، لكن أرباب الهوى يتبعون ما تشابه من النصوص ويعرضون عن المحكم منها فضلوا سواء السبيل".
هذا، وجاء في فتاوى ابن العثيمين:"المثال التاسع: ذكر فضيلتكم قوله - تعالى - في الحديث القدسي ((ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)) (?)
وهذا حديث صحيح خرجه البخاري في (صحيحه) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم إن الله قال: ((من عادي لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) وذكر تمام الحديث.
ولا ريب أنه لا يراد من الحديث أن يكون الله - تعالى وتقدس - عين سمع الولي، وبصره، ويده، ورجله، ولا يمكن أن يقال إن هذا ظاهر الحديث لمن تدبره تدبراً جيداً حتى يقال إنه يحتاج إلى التأويل بصرفه عن ظاهره، فإن في سياق الحديث ما يمنع القول بهذا، وذلك أن الله - تعالى - قال فيه: ((وما يزال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه)). وقال: ((ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)). فأثبت عبداً ومعبوداً. ومتقرباً ومتقرباً إليه. ومحباً ومحبوباً، وسائلاً ومسئولاً. ومعطياً ومعطى. ومستعيذاً ومستعاذاً به. ومعيذا ومعاذاً. فسياق الحديث يدل على اثنين متباينين، كل واحد منهما غير الآخر. وعلى هذا فيمتنع أحدهما أن يكون وصفاً في الآخر، أو جزءاً من أجزائه، ولا يمكن لأحد أن يفهم هذا الفهم من مثل هذا السياق أبداً. اللهم إلا أن يكون بليد الفكر، أو معرضاً عن التدبر، أو ذا هوى أعماه.