وأكثر من ذلك وأغرب أن الشيخ وحده لا يعلم علم الغيب ولا يطلع على ما يختلج في صدور الناس عامة وفي صدور مريديه خاصة بل مريدو الشيخ أيضا يطلعون عليه بتقبيل أرجل المشايخ والأرض التي تمس أقدامهم، والدليل على ذلك حكاية أيضا رواها البريلوي نفسه: إن حضرة سيدي سيد محمد كان من أكابر العلماء وأجلة الأشراف، ومرة كان يمشي في الطريق إذ رأى حضرة نصير الدين محمود شراغ الدهلوي على مركبه فبادر إليه وقبل ركبته فقال له شيخه: اذهب إلى الأسفل أيها الشريف! فقبل السيد محمد رجله، فقال له شيخه وإلى الأسفل منها أيضا، فتأخر السيد محمد وقبل الأرض التي مستها سنابك خيل شيخه، فاستغرب الناس وقالوا: إن سيدا جليل مثل الشريف محمد قبر ركبة الشيخ فلم يرض، فقبل رجله فلم يرض، ثم قبل سنابك خيله ولم يرض، حتى قبل الأرض أمامه. فقال السيد محمد: إن الناس لا يعلمون أن شيخي ما أعطاني بهذه القبلات، فإنني لما قبلت ركبته انكشف علي عالم الناسوت، ولما قبلت رجله انكشف على عالم الملكوت، وعند تقبيلي سنابك الخيل تنور علي عالم الجبروت، ولما قبلت الأرض ظهر عليّ كل ما كان في عالم اللاهوت" (?).

فهؤلاء الذين قال فيهم الرب جل وعلا:

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [البقرة: 16].

وقالوا أن الأولياء كالأنبياء أحياء في قبورهم ولا يطرأ عليهم الموت إلا لثوان ولحظات كخطف البصر ثم يرجع إليهم أرواحهم ويحيون حياة دنيوية مع الأبدان، يسمعون ويجيبون، ويقومون ويجلسون، ينامون ويستيقظون.

فإن قيل للقوم، هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين؟ قالوا:

كان الشيخ أحمد بن الرفاعي يرسل كل عام مع الحجاج السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فلما زاره وقف تجاه مرقده وأنشد:

في حالة البعد روحي كنت أرسلها ... تقبل الأرض مني فهي نائبتي

وهذه نوبة أشباح قد حضرت ... فأمدد يديك لكي تحظى بها شفتي

فقيل إن اليد الشريفة بدت فقبّلها" (?).والأولياء كذلك، وبرهان ذلك "أن الإمام عبدالوهاب الشعراني قدس الله سره الرباني كان يلتزم الحضور في عرس سيدي أحمد البدوي الكبير رضي الله تعالى عنه ومرة حصل له التأخير في الحضور ليومين فرأى المجاورون لمرقد الحضرة أن حضرة السيد البدوي يرفع حجابه بتكرار ويسأل عن مريده عبدالوهاب هل حضر أم لم يحضر حتى الآن؟ فلما حضر أخبره المجاورون لقبره بما جرى من رفع الحجاب عن القبر وسؤال الحضرة عنه فقال عبدالوهاب: أيعلم السيد بحضوري على مرقده ومزاره فقالوا: وكيف! وهو الذي قال: من أراد زيارتي من منزله مهما بعد منزله أعلم بإرادته وأرافقه حتى يحضر قبري ولا يضع حمله إلا وأكون ضامنا له" (?).وأكثر من ذلك، نعم أكثر من ذلك حيث يحكي: إن شقيقين قتلا في سبيل الله وكان لهما أخ ثالث فلما جاء يوم زواجه حضرا في حفلة الزفاف فاستغرب الأخ الثالث حضورهما، فقالا: نحن أرسلنا خصيصا للمشاركة في هذه الحفلة ثم هما اللذان تولا عقدة النكاح وبعد ذلك رجعا إلى مكانهما" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015