وقد ذكر الحافظ أبو محمد عبدالرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتابه (الحوادث والبدع) ما صنعه بعض أهل العلم ببلاد أفريقيا: (أنه كان إلى جانبه التابعين تسمى التابعين العافية قد افتتنوا بها يأتونها من الآفاق فمن تعذر عليه نكاح أو ولد قال امضوا بي إلى العافية فيعرف فيها الفتنة فخرج في السَحَر فهدمها وأذن للصبح عليها ثم قال: اللهم إني هدمتها لك فلا ترفع لها رأسا قال: فما رفع لها رأس إلى الآن) (?).
وقد قال الإمام ابن القيم: (وقد كان بدمشق كثير من هذه الأنصاب فيسر الله سبحانه كسرها على يد شيخ الإسلام وحزب الله الموحدين كالعمود المخلق والنصب الذي كان بمسجد التاريخ عند المصلى يعبده الجهال والنصب الذي كان تحت الطاحون الذي عند مقابر النصارى ينتابه الناس للتبرك به وكان صورة صنم في نهر القلوط ينذرون له ويتبركون به وقطع الله سبحانه النصب الذي كان عند الرحبة يسرج عنده ويتبرك به المشركون وكان عمودا طويلا على رأسه حجر كالكرة وعند مسجد درب الحجر نصب قد بني عليه مسجد صغير يعبده المشركون يسر الله كسره) (?). (ومما يدل على وجوب إزالة وهدم كل شيء يخشى من بقائه الفتنة ما روي عن المعرور بن سويد قال: صليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في طريق مكة صلاة الصبح فقرأ فيها أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل: 1] ولإِيلافِ قُرَيْشٍ [قريش: 1]. ثم رأى الناس يذهبون مذاهب فقال أين يذهب هؤلاء؟ فقيل: يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فهم يصلون فيه فقال: ((إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا كانوا يتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبيعا فمن أدركته الصلاة منكم في هذه المساجد فليصل ومن لا فليمض ولا يتعمدها)) (?).وأيضا لما بلغ عمر بن الخطاب أن الناس ينتابون الشجرة التي بايع تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابها أرسل فقطعها) (?).ومما يدل على إزالة كل شيء يخشى منه فتنة المسلمين في دينهم وانحرافهم عن عقيدتهم الإسلامية الصحيحة ما ذكره محمد بن إسحاق في مغازيه من زيادات يونس بن بكير عن أبي خلدة خالد بن دينار قال حدثنا أبو العالية قال لما فتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريرا عليه رجل ميت عند رأسه مصحف له فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فدعا له كعبا فنسخه بالعربية فأنا أول رجل من العرب قرأه قرأته مثل ما أقرأ القرآن فقلت لأبي العالية ما كان فيه؟ قال سيرتكم وأحوالكم ولحون كلامكم وما هو كائن بعد قلت فما صنعتم وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس حتى لا ينبشونه فقلت وما يرجون منه قال كانت السماء إذا حبست عنهم أبرزوا السرير فيمطرون فقلت من كنتم تظنون الرجل قال رجل يقال له دانيال فقلت مذ كم وجدتموه قال مذ ثلاثمائة سنة قلت ما كان تغير منه شيء قال لا إلا شعيرات من قفاه إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض ولا تأكلها السباع) (?).
والذي يهمنا من إيراد هذه القصة هو أن المهاجرين والأنصار حاولوا التبرك به ولو ظفر به المتصوفة عباد القبور لجالدوا عليه بالسيوف ليتخذوه معبودا من دون الله وكيف لا وقد اتخذوا من القبور أوثانا من لا يصل إلى مستوى هذا الرجل بل ولا يقاربه وأقاموا لها سدنة وجعلوها معابد مقدسة.