(وأما وحدة الوجود الحلولية التي تجعل من الله شيئا كائنا يحل في مخلقواته أو الاتحادية بالمعنى المفهوم خطأ. تلك تجعل من الكائن الفاني شخصية تتحد بالوجود الدائم الباقي المنزه عن سائر النسب والإضافات والأحياز الزمانية والمكانية المحدثة أو يتحد به شيء منها فإنها مذهب هندي أو مسيحي وليس بإسلامي ولا يعرفه الإسلام استمده أهل الشذوذ في التصوف الإسلامي من الفلسفة البائدة وغذوا به ذهنهم الشاذ بفكر أفلاطوينة وأراء بوذية وفارسية عن طريق الفارابي وابن سينا وأن المتتبع لحياة الحلاج ومؤلفات السهروردي وابن عربي يرى أنهم تأثروا بالمتفلسفة المسلمين الذين أخذوا عن الفلسفة الأفلاطونية القديمة والأفلاطونية الحديثة والأرسطوطالسية) (?).

إذا نظرنا في كلام المنوفي نرى أنه صرح بأن المتصوفة تأثروا فعلا بفلاسفة اليونان وأنهم أتوا بتلك العقائد الإلحادية التي توجد في التصوف من أولئك الفلاسفة اليونانيين ومع المنوفي صوفي إلا أنه لم يستطع أن ينكر تأثر المتصوفة بفلاسفة اليونان وهذا في الحقيقة دليل قاطع ومخرس لكل من ينكر تأثر المتصوفة بأفكار فلاسفة اليونان الوثنيين.

وقال المنوفي في مكان آخر في معرض حديثه عن تأثر غلاة المتصوفة بفلاسفة اليونان:

(فكان بعضهم بعلن أنه اطلع على الغيب وأن في مقدوره الإتيان بخوارق العادات ثم يذهب إلى ما هو أبعد من هذا مثل قولة الحلاج المشهورة (ما في الجبة غير الله) وغيره (أنا الحق).وبمثل هذا وذاك ثار على الحلاج معاصروه ورموه بالسحر والجنون أخرى وعذب عذابا أليما إلى أن مات في أوائل القرن الرابع والله أعلم بحاله وكان من أمثال الحلاج من بالغوا مبالغة قلت أم كثرت كشهاب الدين عمر السهروردي المقتول ورئيس جماعة الإشراقيين ومحيي الدين بن عربي الأندلسي وابن سبعين السقلي وهم من رجال القرنين السادس والسابع وتابعهم جماعة من شعراء الفرس وأمثال جلال الدين الرومي وفريد الدين العطار وكلهم يرمي إلى أن يقيم التصوف الإسلامي على دعائم فلسفية أو فارسية وهندية أو يونانية) (?).

ثانيا: الكتّاب الذين كتبوا عن التصوف وأثبتوا تأثرهم بالفكر اليوناني الوثني: لقد أثبت كثير من الكتاب الذين كتبوا في الفكر الصوفي تأثر المتصوفة إلى حد بعيد بفلاسفة الفكر اليوناني الوثني ومن هؤلاء الكتاب كتبوا عن تاريخ التصوف الدكتور عبدالرحمن بدوي حيث قال في معرض حديثه عن الأثر اليوناني في التصوف تحت عنوان (أرثولوجية أرسطو طاليس) وهو كما تعلم فصول ومقتطفات منتزعة من التاسوعات الأفلاطونية وفيه نظرية الفيض والواحد التي ستلعب دورا خطيرا في التصوف الإسلامي خصوصا عند السهروردي المقتول وابن عربي وفيه أيضا نظرية الكلمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015