(إني ربما خلوت بنفسي كثيرا وجعلت بدني جانبا وصرت كأني مجرد بلا بدن عري من الملابس الطبيعية فأكون داخلا في ذاتي خارجا من سائر الأشياء فأرى في ذاتي من الحسن السناء والبهاء والضياء والمحاسن العجيبة والمناظر الأنيقة ما أبقى له متعجبا متحيرا باهتا فاعلم أني جزء من أجزاء العالم الأعلى الشريف فلما أيقنت بذلك رقيت بذهني إلى العلة الإلهية المحيطة بالكل فصرت كأني موضوع متعلق بها فأكون فوق العالم كله رآني كأني واقف في ذلك الموقف الشريف المقدس الإلهي فأرى هنالك من النور والبهاء والبهجة والسناء ما لا تقدر الألسن على صفته والأسماع على نعته ولا الأوهام أن تحيط به فإذا استغرقني ذلك النور والبهاء لم أطق على احتماله ولا الصبر عليه فارتددت عاجزا عن النظر إليه وهبطت من العقل إلى الفكر والروية فإذا صرت في عالم الفكر والروية حجبت الفكرة عن ذلك النور والبهاء وحالت بيني وبينه الأوهام فأبقى متعجبا كيف انحدرت من ذلك الموضوع الشاهق العالي الإلهي وصرت سفلا في موضع الفكر والضيقة بعد أن قويت نفسي على التخلف عن بدنها والرجوع إلى ذاتها والترقي إلى العالم العقلي ثم العالم الإلهي مع العقول فوق العوالم كلها حتى صرت في موضع

البهاء والنور والسناء متجلية الذي هو علة كل نور وبهاء وسبب كل دوام وبقاء ومن العجيب أني كنت قد رأيت نفسي ممتلئة نورا وهي في البدن كهيأتها والبدن ومعها وهي خارجة عنه على أني لما أطلت الفكر ومحضت الروية وأجلت الرأي وصرت كالمتحير المبهوت تذكرت الفلطنوس فإنه أمر بالطب والبحث عن جوهر النفس الشريفة والحرص على الصعود إلى ذلك العالم الأعلى ولحق بالجواهر الإلهية والأسباب الكلية يجزي أحسن الجزاء اضطرارا فلا ينبغي لأحد أن يفتر عن الطلب والحرص والجد في الاتقاء إلى ذلك العالم وإن تعب وكد ونصب فإن أمامه الراحة التي لا تعب بعدها في مخلوقة للإنسان كلها والإنسان مخلوق لها أليس عزا أن تمر ساعة من عمره في غير ما خلق من ذلك أليس من فرط في السعي لذلك ظالم لنفسه ومهلكا ذاته وفاعلا بجوهرته النفسية ما لم يفعل به أعدى عدو له فيندم حين لا ينفعه الندم)

ثم علق لسان الدين الخطيب على كلام أرسطو هذا بما يلي: فقال: (وبيان هذه السعادة من تعرض له فقد تعاطى ما لا تستقل به نفس ولا تطمع فيه قوة إنسانية .. وسبيل السعادة عندهم الرياضة وعلاج الأخلاق حتى يصير شبيها بالخير المحض وهو المبدأ تلطيف السر وأن يصرف عن النفس شواغل الجسم ويترقى في معارج المحبة والشوق إلى ذلك الكمال بالفكرة حتى تحس النفس بانجذابها إلى عالمها وتفيض عليها عجائبه وقد أخبر هؤلاء الإلهيون عن أنفسهم بما ذكرنا آنفا من أنهم نزعوا ولذاته أمورا مذهلة ثم عادوا إلى عالم الحس ورمزوا ذلك في كتبهم حسبما نقل سقراط الدنان ومعلم الخير أفلاطون وإمام المشائين أرسطو) (?).

إذا نظرنا في كلام لسان الدين الخطيب نرى أنه قد صرح بإعجابه بهذه الطريقة التي يسلكها فلاسفة اليونان لتربية النفس ومما يدل على هذا وصفه للفيلسوف اليونان لتربية النفس ومما يدل على هذا وصفه للفيلسوف اليوناني الوثني أفلاطون بأنه معلم الخير ووصفه لأرسطو بالإمام ومن هنا نفعهم بأن أقطاب التصوف كانوا معجبين بآراء فلاسفة اليونان وقد تأثروا بالفعل تأثرا كبيرا.

ومن المتصوفة الذين أكدوا تأثر بعض الصوفية بالأفكار اليونانية المنوفي الصوفي المعاصر المصري فقد قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015