والآية التي نريد أن نستدل بها على أن علم الغيب خاص بالله تعالى وأنه لا يمكن لأحد أن يطلع على الغيب إطلاقا باستثناء الرسل عليهم الصلاة والسلام فإن الله سبحانه وتعالى يطلعهم على بعض غيبه تأييدا لهم حتى يكون ذلك مساعدا لهم لإقناع أقوامهم بما يدعونهم إليه هي قوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن:26 - 28]

وإليك أقوال بعض المفسرين الأعلام في هذه الأمة حتى نستطيع التوصل إلى الحكم الصحيح في كل من يدعي علم الغيب.

فقد قال القرطبي:

(والغيب ما غاب عن العباد فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يظهره على ما يشاء من غيبه لأن الرسل مؤيدون بالمعجزات ومنها الإخبار عن بعض الغائبات ... ) ثم قال: (والأولى أن يكون المعنى: أي لا يظهر على غيبه إلا من ارتضى أي اصطفى للنبوة فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه ليكون ذلك دالا على نبوته) (?).

ثم قال القرطبي: (قال العلماء رحمة الله عليهم: لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزاجر الطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه) (?).

وقال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية في المجلد الثاني عشر:

(يعني بالعالم الغيب عالم ما غاب عن أبصار خلقه فلم يروه فلا يظهر على غيبه أحدا فيعلمه أو يريه إياه أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فإنه يظهره على ما يشاء من ذلك).

ونقل عن ابن عباس أنه قال في تفسيرها:

(أعلم الله سبحانه الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه بما أوحى إليهم من غيبه وما يحكم الله فإنه لا يعلم ذلك غيره).

ونقل عن قتادة أنه قال في تفسير هذه الآية: (فإنه يصطفيهم على ما يشاء من الغيب).ونقل عن ابن جرير أنه قال تفسيرها: (ينزل من غيبه من ما يشاء على الأنبياء أنزل على رسول الله الغيب القرآن قال: (وحدثنا فيه بالغيب بما يكون يوم القيامة) (?).وقال عبدالرحمن بن ناصر السعدي في كتابه (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن): (فلا يظهر على غيبه أحدا من الخلق بل انفرد بعلم الضمائر والأسرار والغيوب إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ أي فإنه يخبره بما اقتضت حكمته أن يخبره به وذلك لأن الرسل ليسوا كغيرهم فإن الله أيدهم بتأييد ما أيده أحدا من الخلق وحفظ ما أوحاه إليهم حتى يبلغوه على حقيقته من غير أن تقربه الشياطين فيزيدوا فيه أو ينقصوا منه) (?).

فالأقوال التي أوردتها عن هؤلاء العلماء الأجلاء الذين سبق ذكرهم كلها اتفقت على نفي علم الغيب على جميع ما في هذا الكون ومن هنا نقول إن باب علم الغيب مسدود نهائيا وكل من يحاول أن يعلم الغيب إنما يسعى لكي يضله الله عز وجل وإلا فما الداعي لإنسان يؤمن بأن القرآن كلام الله أن يسعى للاطلاع على علم الغيب بعد أن أخبر الله عز وجل في كتابه بأن الغيب خاص به سبحانه وأنه لا يطلع عليه أحدا إلا رسله فإنه يطلعهم على جزء من غيبه حتى يكون لهم معجزة فيساعدهم في إيمان أقوامهم أو إقناعهم وحتى الوحي الذي يوحيه إليهم يعتبر غيبا وقد قال بعض المفسرين بهذا كما سبق.

والخلاصة أن غلو المتصوفة في مشايخهم واعتقادهم بأنهم يعلمون الغيب يعتبر اعتقادا فاسدا وأن الواجب عليهم التراجع عن هذا الغلو الذي صار سببا في ضلالهم كما ضل بسببه كثير ممن كان قبلهم من الأمم الماضية ومعروف أن أول شرك حصل في الأرض كان سببه الغلو في رجال صالحين.

¤مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية لإدريس محمود إدريس – 1/ 137

طور بواسطة نورين ميديا © 2015