فالنصان السابقان يدلان دلالة واضحة على أن الصوفية يؤمنون بأن مشايخهم يتلقون علوما خاصة بهم عن الله مباشرة. والرد عليهم بإيجاز: إن ادعاءهم هذا يؤدي بهم إلى القول بعدم ختم النبوة وبقاء بابها مفتوحا لكل من يدعي التلقي عن الله وهذا يعتبر انحرافا عقديا خطيرا وذلك لأن عقيدة ختم النبوة تعتبر من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة يعرفها العامي فضلا عن العالم وقد وردت نصوص قرآنية وأحاديث نبوية تدل دلالة قاطعة على ختم النبوة فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب: 40] ومن الأحاديث الدالة على أن النبوة قد ختمت قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا نبي بعدي)) (?).
فالآية والحديث السابقان يدلان دلالة واضحة على أن النبوة قد ختمت بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قد أخبرنا بأن محمدا بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام خاتم النبيين ونفى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون نبي بعده.
فكل من يدعي بأنه تنزل عليه علوم من الله سبحانه وتعالى بعد هذا الدليل القاطع يعتبر دجالا مفتريا على الله يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا فيجب أن تقطع عنقه حتى لا يفتن المسلمين في دينهم وذلك لأن ادعاء التلقي عن الله يؤدي إلى الإتيان بأحكام وعقائد جديدة تختلف مع العقيدة والشريعة التي أتى بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام من ربه وإذا اعترض عليه أي معترض يستطيع أن يقول بكل سهولة أنه تلقاه عن الله تعالى كما يزعم الصوفية ذلك وهذا يعتبر هدما وتقويضا للعقيدة والشريعة الإسلامية والقضاء عليها نهائيا.
3ـ الانحراف الثالث الذي وقع فيه الصوفية بسبب غلوهم في المشايخ: هو الادعاء بأن لهم الاطلاع على الغيب:
لقد وصل غلو الصوفية في مشايخهم إلى أن زعموا بأنهم يعلمون الغيب حيث ادعوا بأن الأولياء يعلمون الأشياء المكتوبة على أوراق الشجر والماء والهواء وكل ما في البر والبحر ما في السماء وكل ما يقع للإنس والجن في حياتهم وبعد مماتهم وأنهم يسمعون كل من ناداهم من قريب أو بعيد فيقضون له طلبه وإليك الأدلة على هذا من بطون كتبهم:
فقد قال إبراهيم الدسوقي في معرض حديثه عن خصائص العارف بالله عندهم: (وكذلك لهم الاطلاع على ما هو مكتوب على أوراق الشجر والماء والهواء وما في البر والبحر وما هو مكتوب على صفحة قبة خيمة السماء وما في حياة الإنس والجان مما يقع لهم في الدنيا والآخرة ولا يحجب من حكيم يتلقى علما من حكيم عليم) (?).وحكى أحد الصوفية عن أحد الصوفية أنه وقع في البحر ولم يكن يعرف السباحة فكاد أن يغرق فناداه مستغيثا به فحضر وأخذ بيده من الغرق) (?).
فالنصان السابقان يدلان بأن الصوفية يعتقدون بأن مشايخهم يعلمون الغيب ويفرجون كرب كل من استغاث بهم ودعاهم.
والذي نريد أن نناقشه هنا هو مسألة علم الغيب وهل يمكن للمخلوق أن يعلمه أم أن علم الغيب مختص بالله سبحانه وتعالى.
فلو نظرنا في كتاب الله عز وجل سنجد فيه آيات كثيرة وكلها تتحدث في اختصاص الله تعالى بعلم الغيب وليس بإمكاننا الآن أن نذكر كل الآيات التي تتحدث في هذا المجال وإنما نريد أن نذكر آية واحدة مع إيراد بعض أقوال المفسرين فيها وهي بالفعل كافية ومقنعة في هذا المجال لمن يبحث عن الحق ويريد الوصول إليه أما المعاند المكابر فلا يمكن أن يقتنع مهما أتينا بالآيات.