(إن إبراهيم بن أدهم كان ملكا لبلخ، وتحت إمرته عالم، وكانوا يحملون أربعين سيفا من الذهب وأربعين عمودا من الذهب من أمامه ومن خلفه، وكان نائما ذات ليلة على السرير، فتحرك سقف البيت ليلا، كأنما يمشي أحد على السطح، فنادى: من هذا .. ؟ فقال: صديق فقدت بعيرا أبحث عنه على هذا السقف، فقال: أيها الجأهل، أتبحث عن البعير فوق السطح ... ؟ فقال له: وأنت أيها الغافل تطلب الوصول إلى الله في ثياب حريرية وأنت نائم على سرير من ذهب ... ؟ فوقعت الهيبة في نفسه من هذا الكلام، واندلعت في قلبه نار، فلم يستطع النوم حتى الصباح، وعندما أشرق الصبح ذهب إلى الإيوان وجلس على السرير متحيرا مفكرا حزينا، ووقف أركان الدولة كل في مكانه واصطف الغلمان وأذنوا إذنا عاما، فدخل رجل مهيب من الباب بحيث لم يكن لأي أحد من الخدم أو الحشم الجرأة على أن يقول له من أنت، ولم ينبسوا ببنت شفه، وتقدم الرجل حتى واجه سرير إبراهيم، فقال له: ماذا تريد .. ؟ قال: أنزل في هذا الرباط، قال: ليس هذا برباط، إنما هو قصري، وإنك لمجنون، فقال: لمن كان هذا القصر قبل هذا؟ قال: كان لأبي، قال وقبل ذلك، قال: كان ملكا لجدي ... وقبل ذلك؟ قال: ملكا لفلان، قال: أو ليس الرباط هو ما يحل به أحد ويغادره الآخر .. ؟ قال هذا واختفى، وكان هو الخضر عليه السلام، فازدادت حرقة روح إبراهيم ولوعته، وازداد ألمه حدة نتيجة لهذه الحال، وازدادت هذه الحال من واحد إلى مائة ضعف، إذ أنه رأى أنه قد اجتمع ما شاهده نهارا مع ما وقع ليلا ولم يعرف مما سمع، ولم يعلم ماذا رأى اليوم، فقال: أسرجوا الجواد لأني أريد الذهاب للصيد، فقد حدث لي اليوم شيء لست أدري ما هو، فيا إلهي إلى أين تنتهي هذه الحال ... ؟ فأسرجوا له جوادا، وتوجه للصيد، فكان يتجول في البرية دهشا بحيث لم يعرف ماذا يفعل، فأنفصل عن جيشه وهو في تلك الحال من الدهش، فسمع صوتا في الطريق يقول له: انتبه، فانتبه، ولم يصغ إليه، وذهب وجاءه هذا النداء للمرة الثانية، فلم يعره سمعا للمرة الثالثة نفس ذلك النداء، فأبعد نفسه عنه، وسمع للمرة الرابعة من يقول: (انتبه قبل أن تنبه) ففقد صوابه تماما وفجأة ظهرت غزالة فشغل نفسه بها، فأخذت الغزالة تخاطبه قائلة: إنهم بعثوني لصيدك، وإنك لن تستطيع صيدي، ألهذا خلقت؟ أو بهذا أمرت؟ إنك خلقت للذي للذي تعمله وليس لك عمل آخر، فقال إبراهيم: ترى ما هذه الحال .... ؟ وأشاح بوجهه عن الغزالة، فأرتفع نفس ذلك الصوت الذي قد سمعه من الغزالة من قربوس السرج، فوقر في نفسه الخوف والفزع وأزداد كشفا، وحيث أن الحق تعالى أراد أن يتم الأمر ارتفع ذلك الصوت ثلاث مرات أخر من حلقة جيبه، وبلغ ذلك الكشف هنا حد الكمال، وانفتح عليه الملكوت ونزل، وحصل له اليقين، فابتلت الملابس والجواد من ماء عينيه، وتاب توبة نصوحا، وانتحى ناحية من الطريق، فرأى راعيا يرتدي لبادا، وقد وضع قلنسوة من اللباد على رأسه، وأمامه الأغنام وأخذ منه اللباد ولبسه ووضع قلنسوة اللباد على رأسه وطفق يسير راجلا في الجبال والبراري هائما على وجهه ينوح من ذنوبه، ثم غادر المكان إلى أن بلغ نيسابور، فأخذ يبحث عن زاوية خالية يتعبد فيها حتى وصل إلى ذلك الغار المعروف واعتكف فيه تسعة أعوام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015