والواقع أن هذه القضية تعتبر من القضايا الساخنة خاض غمارها المتصوفة من جانب، وغير المتصوفة من الجانب الآخر حول الصلة بين الفريقين: الصوفية، وأهل الصفة.
فهل توجد فعلاً علاقة بين الصوفية وأهل الصفة؟
الجواب: إنه بالرغم مما بذله المتصوفة من جدل وبحوث لتقريب التصوف إلى أهل الصفة فإن ذلك لم يجدهم شيءاً.
فهناك من المتصوفة كالمنوفي، والسهروردي، وغيرهما من كبار الصوفية من يزعم وجود تلك الصلة بين الفريقين، وأن أهل الصُفة هم سلف أهل التصوف، فالسهروردي يرى أن العلاقة بين المتصوفة وأهل الصفة تتمثل في حب الانفراد والعزلة عن الناس والشوق إلى الله تعالى، وأن هذه الفكرة هي الجامع بين الصوفية وأهل الصفة فيما يرى، وقد قال في إثبات ذلك:"الصوفية يشاكل حالهم حال أولئك (?)، لكونهم مجتمعين متآلفين متصاحبين لله وفي الله كأصحاب الصفة، وكانوا نحواً من أربعمائة رجل لم تكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر، جمعوا أنفسهم في المسجد كاجتماع الصوفية قديماً وحديثاً في الزوايا والربط .. " (?) إلى آخر كلامه.
وأما المنوفي فقد قال عنهم:
"هم قوم أخلاهم الحق من الركون إلى شيء من العروض الفانية وشغل أفئدتهم بالحياة الباقية .. " إلى أن يقول: "استوطنوا الصفة فصفوا أنفسهم من الأكدار ونقوها من الأغيار، واعتصموا من حظوظ النفوس بالإيثار".إلى أن قال: "وكان الظاهر من أحوالهم والمشهود من أخبارهم غلبة الفقر عليهم وإيثارهم القلة واختيارهم لها، فلم يجتمع لهم نوعان، ولا حضر لهم من الأطعمة لونان" (?).
والحقيقة أن السهروردي وغيره من المتصوفة لم يستطيعوا أن يأتوا برباط واحد، أو بوجه شبه يعتبر قاسماً مشتركاً صحيحاً مقبولاً بين حال أهل الصفة رضوان الله عليهم وبين المتصوفة، مع كثرة ما حاول هو وغيره وبشتى الأساليب أن يوجدوا تلك الصلة المزعومة، وأن يكون أولئك الصحابة الأفاضل هم الأساس لأقطاب التصوف والمثل الأول لهم.
مع محاولة بعضهم كذلك ربط حركة التصوف وما تحمل من حب العزلة والانفراد والخلوة بما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم، من تحبيب الخلوة إليه في غار حراء يتعبد فيه الليالى ذوات العدد.
وقد فاتهم أن هذا لا يصلح أن يكون دليلاً لهم على ذلك؛ فإن أقل ما ينقصه هو أن تلك الخلوة إنما كانت بعناية من الله له؛ ليستعد لحمل أعباء الرسالة فيما بعد، وقبل أن يكلف أيضاً بدعوة الناس وإقامة شعائر الدين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد أن اختاره الله لتبليغ الدعوة كان محط أنظار الناس في كل لحظة من لحظات عمره المبارك، وإلا فكيف انتشر الإسلام بعد ذلك ودخل الناس في دين الله أفواجاً لو بقى على تلك الخلوة وبمفهوم الصوفية أيضاً؟!.