والثاني: أنهم كاتبوا الحسين بن علي رضي الله عنه، ودعوه إلى الكوفة لينصروه على يزيد بن معاوية فاغتر بهم، وخرج إليهم، فلما بلغ كربلاء غدروا به، وصاروا مع عبيد الله بن زياد يدا واحدة عليه، حتى قتل الحسين وأكثر عشيرته بكربلاء. والثالث: غدرهم يزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بعد أن خرجوا معه على يوسف بن عمر، ثم نكثوا بيعته وأسلموه عند اشتداد القتال حتى قتل وكان من أمره ما كان" (?).ولقد ذاق منهم علي رضي الله عنه من الكاسات المرة ما لا يعلمه إلا الله حتى دعا عليهم فقال: "اللهم إني سئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم، وبدلهم بي شرا مني" (?).وقيل للحسن بن علي ما حملك على ما فعلت (من تنازله بالخلافة لمعاوية) قال: "كرهت الدنيا، ورأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم أحدا أبدا إلا غلب، ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى، مختلفين لا نية لهم في خير ولا في شر. لقد لقي أبي منهم أمورا عظاما، فليت شعري لمن يصلحون بعدي وهي أسرع البلاد خرابا" (?).لذلك أوصى الحسن بن علي أخاه الحسين بعدم الاغترار بهم، أو الاستجابة لطلبهم بالخروج إليهم أو طلب الخلافة وحذره من تصديق دعواهم له بالنصرة (?).ولما أراد الحسين بن علي الخروج إلى الكوفة مستجيبا لدعوة شيعته هناك جاءه أكابر الصحابة يشيرون عليه بعدم الذهاب، ويحذرونه من غدر هؤلاء الشيعة، ويذكرونه بمواقفهم المخزية من أبيه ومن أخيه؛ جاءه عبدالله بن عباس وقال له: "يا ابن عم، قد بلغني أنك تريد العراق، وإنهم أهل غدر، وإنما يدعونك للحرب، فلا تعجل، وإن أبيت إلا محاربة هذا الجبار وكرهت المقام بمكة فاشخص إلى اليمن، فإنها في عزلة ولك فيها أنصار وإخوان، فأقم بها وبث دعاتك، واكتب إلى أهل الكوفة وأنصارك بالعراق فيخرجوا أميرهم، فإن قووا على ذلك ونفوه عنها، ولم يكن بها أحد يعاديك أتيتهم، وما أنا لغدرهم بآمن، وإن لم يفعلوا أقمت بمكانك إلى أن يأتي الله بأمره، فإن فيها حصونا وشعابا، فقال الحسين: يا ابن عم، إني لأعلم أنك لي ناصح وعلي شفيق، ولكن مسلم بن عقيل كتب إلي باجتماع أهل المصر على بيعتي ونصرتي، وقد أجمعت على المسير إليهم. قال: إنهم من خبرت وجربت، وهم أصحاب أبيك وأخيك وقتلتك غدا مع أميرهم" (?).ويقدم النصح للحسين أيضا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، ويذكره بوصف علي بن أبي طالب لهم فيقول: "يا أبا عبدالله إني لكم ناصح، وإني عليكم مشفق، وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة، يدعونك إلى الخروج، فلا تخرج، فإني سمعت أباك بالكوفة يقول: "والله لقد مللتهم، وأبغضتهم، وملوني وأبغضوني، وما بلوت منهم وفاء، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم ثبات ولا عزم على أمر، ولا صبر على السيف" (?).ومن غدرهم وقلة ولائهم أنهم لم يكتفوا بمراسلة الحسين أنذاك، بل عمدوا إلى مراسلة أخيه محمد بن الحنفية يطلبون منه الخروج. ولكنه رفض وجاء إلى الحسين يخبره بما عرضوا عليه، ويبين سبب رفضه فقال: "إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا، ويشيطوا دماءنا" (?).يقول ابن تيمية رحمه الله: "وأما الشيعة فهم دائما مغلوبون مقهورون منهزمون، وحبهم للدنيا وحرصهم عليها ظاهر. ولذلك لما كاتبوا الحسين رضي الله عنه أرسل إليهم ابن عمه ثم قدم بنفسه غدروا به، وباعوا الآخرة بالدنيا، وأسلموه إلى عدوه، وقاتلوه مع عدوه. فأي زهد في الدنيا وأي جهاد عندهم ... هذا ولم يكونوا صاروا بعد رافضة" (?).
¤موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص 533 - 536