أولا: أقوالهم في فهم الكتاب والسنة

زعمت جماعة الهجرة أن القرآن لا يحتاج إلى تفسير، ومن ثم يمكن أن تؤخذ الأحكام منه ومن السنة مباشرة وقالوا في ذلك: "من اعتقد أن كلام الله ورسوله يحتاج إلى شرح فقد كفر لأنه اعتقد بأن كلام البشر أبين وأوضح من كلام الله" (?) واستدلوا على رأيهم هذا بقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [إبراهيم: 4]، وقوله تعالى: الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [سورة هود: 1]. كما احتجوا أيضاً بقولهم: هل كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أبين أم كلام غيرهما؟. فإن قالوا كلام الله أبين وجب عليهم اتباعه وكفونا مؤونة الرد عليهم، وإن قالوا العكس فقد كفروا وصادموا النصوص. وقالوا أيضاً: "وهل يحتاج الله تبارك وتعالى إلى شارح بغير إذنه أم لا يحتاج، فإن قالوا: لا يحتاج كفونا مؤونة الرد عليهم، وأن قالوا يحتاج فقد اشركوا بالله العظيم ما لم ينزل به سلطاناً" (?).ولا شك أن هذا جدل سقيم وسفسطة فارغة مبعثها الخطأ في فهم المراد بالتفسير فالتفسير لا يعني - كما فهم جماعة الهجرة - أن كلام الله غامض ويحتاج إلى شرح بشري ليكون مفهوماً عند الناس، بل أن كلام الله تعالى يحتاج إلى عدة واستعداد بشري لفهم معانيه وإدراك مراميه، ومن ثم كانت الحاجة إلى التفسير الذي هو علم نزول الآيات وشؤونها وأقاصيصها، والأسباب النازلة فيها ثم ترتيب مكيها ومدنيها ومحكمها ومتاشبهها وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها ومطلقها ومقيدها، ومجملها ومفسرها، وحلالها وحرامها ووعدها ووعيدها وأمرها ونهيها وعبرها وأمثالها" (?). وليس كل إنسان أهلاً لهذا، بل لا ينهض بهذه المهمة إلا من ألم بعلوم اللغة والنحو والصرف والبلاغة وعلم القراءات والناسخ والمنسوخ وعلم أسباب النزول وعلم أصول الدين والتوحيد والحديث النبوي وعلم أصول الفقه" (?).

¤دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين - الخوارج والشيعة - أحمد محمد أحمد جلي/ ص 139

طور بواسطة نورين ميديا © 2015