وما قاله عن الحسن فإنه رد عليه، فلقد كان الحسن رضي الله عنه ذا خلق فاضل ودين وورع، لا يهمه شرف الخلافة ولا العلو في الأرض، فقد فضل أن تحقن دماء المسلمين وينعم الناس بالأمن والهدوء، ولو كان ذلك على هضم حقه في الخلافة بعد أن تمت له البيعة بها، فقد كان رضي الله عنه لا يوازن بين مصلحته ومصلحة المسلمين بل يقدم مصلحة المسلمين ويبقى مصلحته ذخرا عند الله؛ لينال ثوابها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. أما موقف غلاة الإباضية من طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام فهو لا يقل عن موقفهم من علي وعثمان فهما عندهم في منزلة البراءة والبعد، وينسبون هذا الموقف الخاطئ إلى جميع المسلمين، كما جاء في كتاب (الكفاية)، "فإن قال قائل: فما تقولون في طلحة والزبير بن العوام؟ قلنا: إنهما عند المسلمين بمنزلة البراءة" (?).ويوضح الورجلاني أيضا موقف الإباضية منهما بأنهما ممن أوجب الله لهما النار وحرم عليهما الجنة بعكس ما نطق به من لا ينطق عن الهوى، فقد بشرهما الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة وهم يبشرونهما بالنار!! – يقول الورجلاني: "وأما علي بن أبي طالب فإن ولايته حق عند الله تعالى – يعني به قبل التحكيم – وكانت على أيدي الصحابة وبقية الشورى، ثم قاتل طلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين فقتاله حق عند الله لشقهم العصا عصا الأمة، ونكثهم الصفقة، فسفكوا الدماء وأظهروا الفساد، فحل لعلي قتالهم وحرم الله عليهم الجنة، فكانت عاقبتهما إلى النار والبوار" (?)

فسبحان الله العظيم! ما أجرأ أهل الزيغ على شتم الصحابة الأخيار الذين نصروا الإسلام بأنفسهم وأموالهم وكانوا من جنوده البواسل في ساعة العسرة، قبل أن يوجد آباء وأجداد هؤلاء المعتدون الذين ينتقصونهم ويحكمون عليهم بالنار، لقد كان طلحة والزبير رضي الله عنهما من خيار الصحابة ومن المشهود لهم بالجنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ولهم مواقف مشرفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كانت في السلم أو في الحرب من طاعة وتضحية وإقدام في مجاهدة الكفار، وما أحرى بالمسلم أن يترك تنطع الخوارج والشيعة في موقفهم من الصحابة، فإنه لا يقف موقفهم أحد فيسلم إلا أن يتداركه الله برحمته ويلهمه التوبة.

يجب علينا أن نحسن الظن بالصحابة وأن نعتبر ما جرى بينهم من فتن لأمور وحكم أرادها الله، ونكل أمرهم فيها إلى الله ولا نقول فيهم إلا خيرا ونترحم عليهم وهم سلفنا وخيارنا رضي الله عنهم أجمعين.

¤الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص476

طور بواسطة نورين ميديا © 2015