أما روايته عن عائشة فيقول فيها: "وقالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت شيخا أقر على نفسه بمثل ما أقر عثمان، وخرجت بمصحف كان معها وقالت أشهد بالله بأن عثمان كفر بما في هذا المصحف". فهل تشهد عليه بالكفر المستوجب للنار في مقابلة شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالجنة وثنائه عليه في كثير من المناسبات؟! ثم ينقل بعد ذلك الأقوال قولا للمقداد بن الأسود يحذر فيه الصحابة من تولية عثمان لأنه لم يشهد بيعة الرضوان وفر يوم أحد فقال: (وأقبل المقداد بن الأسود الكندي فناشدهم الله وقال: لا تولوا أمركم رجلا لم يشهد بيعة الرضوان وفر يوم الأحد (?) – يعني عثمان بن عفان). فهل يعقل أن يقف الصحابي الجليل من صحابي مثله هذا الموقف وهو يعرف قدره ومنزلته بين المسلمين؟! وهل يعيره بعدم حضوره بيعة الرضوان وقد بايع بيعة غبطه عليها جميع المسلمين؛ فقد بايع عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ضرب بيمينه على شماله وقال: ((هذه لعثمان)) (?)؟! وقد كان غياب عثمان في أنبل وأشرف مهمة وهي الوساطة للصلح بين الرسول وقريش، وأما فراره يوم أحد فما كان ليعيره بما عفى الله عنه وهو يتلوه في كل حين.

ثم يلمزه المؤلف باللقب الذي سماه به خصومه نعثل، ويضيف هذا اللقب إلى المسلمين عموما، وهو اللقب الذي كان يكرهه عثمان ويتبرأ منه، فقال المؤلف: "ولقبه المسلمون نعثلا حين أحدث الأحداث".

وقد افترى عليه فزعم أنه عطل الحدود واستعمل السفهاء من قرابته وحرق كتاب الله، وولى الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو من أفسد أهل زمانه –على الكوفة، وارتقى المنبر في موضع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إلى أن يقول: "وتجبر وتكبر فقيل: إنه كان يمر بخيلائه وجنوده على بيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فتخرج قميص رسول الله فتقول: يا عثمان هذه برد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تبل وسنته قد بليت، فيقول لها: اسكتي يا حميراء وإلا سلطت عليك من لا يرحمك"!! إلى آخر ما قاله من سباب وفحش يطول نقله نثرا ونظما.

وهذه الافتراءات لا تقل عن افترائه على علي بن أبي طالب بأنه كان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض الناس وعليه سلاحه ومثله طلحة بن عبيد الله، ورد على الذين يقولون بأن علي بن أبي طالب غير راض بقتله بأنهم على خطأ. وجاء في كتاب (الكفاية) قوله: "فإن قال: ما قولكم في عثمان بن عفان؟ قلنا له: في منزلة البراءة عند المسلمين". ثم أورد كلاما فارغا واحتجاجا محجوجا على أن عثمان يستحق أن يكون في منزلة البراءة عندهم (?).

ومثل ما تقدم في (كشف الغمة) نجده في (كتاب الأديان) إلا أنه زاد عليه فذكر موقف الأمة تجاه قتله، وأنهم انقسموا فيه إلى ثلاث فرق: فرقة قتلته، وفرقة وقفت عنه، وفرقة طالبت بدمه.

ثم يبين موقف هذه الفرق بقوله المفترى: "فالفرقة القاتلة له فعلي بن أبي طالب وأصحابه من أهل المدينة والمهاجرون والأنصار". وهذا كلام ظاهر الافتراء إذ أن القاتلين له هم أهل الأهواء الذين جاؤوا من مصر والعراق واجتمعوا في المدينة وغلبوا أهلها على أمرهم وأخافوهم خوفا شديدا وكانت لهم السيطرة الفعلية فيها حتى تولى الإمام علي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015