المطلب الأول: موقفهم من الخلفاء الراشدين وبعض الصحابة رضوان الله عليهم

1 - موقفهم من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم

لا يعترف الخوارج بالإمامة الكاملة لأحد من الصحابة إلا بإمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما إمامة شرعية لا شك في صحتها ولا ريب في شرعيتها، وأنها كانت برضى المؤمنين ورغبتهم، وقد سارا على الطريق المستقيم الذي أمر الله به لم يغيرا ولم يبدلا حتى توفاهما الله على ما يرضي الله من العمل الصالح والنصح للرعية، وهذا حق، فلقد كانا رضي الله عنهما كذلك لا يشك في ذلك إلا هالك، ولقد كان موقف الخوارج إزاءهما موفقا. ثم بعد وفاتهما انتخبت الأمة خليفتين آخرين هلك فيهما الخوارج وخرجوا عن الحق والصواب في تقديرهم لهما ولم يوفقوا في القول فيهما وأكثروا من الافتراءات الكاذبة عليهما، ووصفوهما بما كرمهما الله عنه وقد بلغ بعضهم في بغضهم إلى المغالاة التي تؤدي إلى الكفر الصريح، وفي هذا يقول الأشعري: "والخوارج بأسرها يثبتون إمامة أبي بكر وعمر، وينكرون إمامة عثمان - رضوان الله عليهم - في وقت الأحداث التي نقم عليه من أجلها، ويقولون بإمامة علي قبل أن يحكم وينكرون إمامته لما أجاب إلى التحكيم" (?).ويقول ج. ج لوريمر: "وقد وافقوا السنة في اعتبار أبي بكر وعمر من الخلفاء المنتخبين، وبالتالي فهما جديران بالاحترام، ولكنهم اختلفوا مع السنة والشيعة في رفضهم لباقي الخلفاء واعتبارهم مغتصبين" (?).بل يذكر الجيلاني أن الخوارج أنكرت إمامة علي مطلقا (?)، - كما قال الطالبي في اعتذاره عن مبالغة الجيلاني هذه.

أما فيما يتعلق بموقفهم من عثمان رضي الله عنه – وهو موقف كما قلنا في غاية الخطأ والبعد عن الحق – فنحن لا نذكره عنهم افتراء بل ننقله من كتبهم، ومن أهمها كتاب (كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة)؛ فإن قارئه يحس أنه أمام خصم عنيد لا يتورع عن اتهام خصمه وإقامة الحجة عليه بأي قول كان، وسنورد من أقواله ما يبين صحة ما قدمنا. فمنها قوله يصفه بأنه أشد فتنة من الدجال وذلك حسب روايته التي اختلقها على لسان ابن مسعود رضي الله عنه فيقول: "وبلغنا أنه – يعني ابن مسعود – ذكره أي ذكر عثمان – حديثا قال النبي صلى الله عليه وسلم لقوم وفيهم عثمان وعبدالله وكانوا يتذاكرون الدجال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فيكم من هو أشد على أمتي من الدجال وأعظم فتنة. فقال ابن مسعود: أفلان يا رسول الله؟ قال: أفلان؟ قال: لا، حتى استكملهم ولم يبق إلا هو وعثمان، وفي كلهم يقول النبي: لا، قال ابن مسعود لعثمان: أما هذا فهذا آخر أيامي من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة وأنت صاحبها يا عثمان)) (?). فهذه روايته عن ابن مسعود المفتراة التي يكذبها شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بالجنة، ويكذبها حب الرسول له وتاريخه في نصرة الإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015