وهذا الرأي قد قام به قدماء المعتزلة أيضاً فيما يرويه ابن أبي الحديد بقوله: "وقد اختلف الناس في اشتراط النسب في الإمامة، فقال قوم من قدماء أصحابنا - يعني المعتزلة -: إن النسب ليس بشرط فيها أصلاً وإنها تصلح في القرشي وغير القرشي، إذا كان فاضلاً مستجمعاً للشرائط المعتبرة، واجتمعت الكلمة عليه وهو قول الخوارج" (?).ويقول ابن حجر: "وقالت الخوارج وطائفة من المعتزلة، يجوز أن يكون الإمام غير قرشي وإنما يستحق الإمامة من قام بالكتاب والسنة سواء أكان عربياً أو أعجمياً" (?).ولهذا فهم كما يذكر تسموا بالخلفاء لأنهم لا يعتبرون القرشية شرطاً في الخلافة كما ينص على هذا بقوله: " إن الخوارج في زمن بني أمية تسموا بالخلافة واحداً بعد واحد ولم يكونوا من قريش" (?).وهذا بناء على أن " الخلافة حق لكل مسلم وغايتها إقامة الأحكام" (?).
أما رأي الإباضية في اشتراط قرشية الإمام فهو لا يخرج عن رأي عامة الخوارج في عدم اشتراط هذا الشرط وعدم ارتباطها بجنس أو لون أو أسرة أو قبيلة، بل المدار في من يصلح لها أن يكون كفئاً في دينه وخلقه وعلمه وعقله، فإذا وجد عدد من الناس فيهم هذه الكفاءة أمكن حينئذ النظر إلى ناحية الجنس وغيره من أسباب المفاضلة. وهذا ما يقوله علي معمر، ومثله الحارثي الإباضي عن الخلافة أنها: " لا يمكن أن تخضع لنظام وراثي ولا أن ترتبط بجنس أو قبيلة أو أسرة أو لون، إنما يجب أن يشترط فيها الكفاءة المطلقة، الكفاءة الدينية والكفاءة الخلقية والكفاءة العلمية والكفاءة العقلية، فإذا تساوت هذه الكفاءات في مجموعة من الناس أمكن أن تجعل الهاشمية أو القرشية أو العروبة من أسباب المفاضلة، أو من وسائل الترجيح أما في غير ذلك فليس لها حساب" (?). ونحو هذا عند السالمي.
ويقول علي معمر أيضاً: " ولم يكن الإباضية أو الخوارج هم أول من قال بهذا، وإنما سبقتهم إليه كبار الصحابة عندما ناقشوا أول خليفة في الإسلام"، واستدل المؤلف على هذا بالأدلة الآتية:
1 - قول الأنصار يوم السقيفة: " منا أمير ومنكم أمير"؛ إذ لم يكن الأنصار يعرفون أنه يجوز أن يتولى الإمارة غير قرشي لما قالوا ذلك، ولكن هذا الدليل يتطرق إليه ضده وهو احتمال أن يكونوا قالوا هذا القول قبل أن يعرفوا النص الذي يثبت الخلافة في قريش ولهذا فقد رجعوا إلى رشدهم حين بين لهم أبو بكر هذه المسألة.
2 - من أدلتهم أيضاً قول عمر رضي الله عنه: " لو كان سالم مولى حذيفة حياً لبايعته"؛ فلو كان غير القرشي لا يصح أن يتولى لما قال ذلك، وقد أجيب عن هذا وما في معناه مما ورد على لسان عمر رضي الله عنه باحتمالين ذكرهما ابن حجز وهما: