وقد رأينا فيما سبق أن الخوارج ينادون بالاختيار الحر لرئيس الأمة، ويكون من بين أفرادها، لا يتمتع بأي ميزة غير كفاءته في إدارة شؤون المسلمين، وقد وصفوا بذلك بأنهم جمهوريون وأنهم ديمقراطيون إلخ ... وإن نظرتهم هذه تستند إلى قوله تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ. يقول الطالبي: " تعتبر الخوارج ممثلة للنزعة الإجماعية أو الاتجاه الجمهوري في الفقه السياسي، وهي نظرة قرآنية لأن مصدر السلطة في الشريعة الإسلامية إنما هو اختيار الأمة وانتخابها، ومبدأ الشورى نص عليه القرآن بلا نزاع ولا فرق في ذلك بين مسلم ومسلم ولا نظر إلى الجنس أو اللون" (?).وقد زعم الأستاذ ألبير نصري بأن الخوارج هم أول من نادى بأن الأمة هم مصدر السلطة، وبالتالي كانوا أول من نادى بالاختيار الحر للإمام – فيقول: " إن الخوارج هم أول من ادعى في الإسلام أن الأمة هي مصدر السلطة فكان موقفهم هذا خطوة أولى نحو القول بحق الاختيار الحر رئيس الأمة، وهذا هو لب الديمقراطية، وإن جعلوا هذه الديمقراطية محدودة " (?).ويقول السالمي عن الإمامة في عمان: " كانت الإمامة تستند إلى قواعد وجذور قوية، كانت تستند إلى أساس ديمقراطي يتساوى فيه الغني والفقير والقوي والضعيف أمام قوانين الشريعة السمحاء؛ ولذا فإن بذور الحكم الجمهوري قد نبتت في عمان ومجتمعها الإباضي وكانت بذور صالحة في تربة صالحة" (?).وقال أيضاً: " ولذا فإن بذور الديمقراطية قد نشأت في هذا المجتمع وتطورت في سبيل مصلحة الشعب نفسه" (?).والواقع أن ما زعمه ألبير نصري من أن الخوارج هم أول من نادى بالانتخاب الحر للإمام - زعم باطل تاريخياً وموضوعياً؛ فإننا بتتبعنا لتاريخ المسلمين الأول نجد أنهم قد اختاروا الخلفاء اختياراً حراً كما في اختيارهم للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين، وأنهم لم يخرجوا عن قوله تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ، فإذا ليس الخوارج هم أول من نادى باختيار الخليفة عن طريق الشورى ورضى الناس، يقول رفعت فوزي: " ولم يكن الخوارج هم أول من نادى بأن تكون الخلافة شورى بين المسلمين " (?).
أما القول الذي انفرد به الخوارج في موضوع الإمامة، فهو عدم اشتراط القرشية فيها، فمسألة أحقية قريش بالخلافة غير واردة في مفهوم الخوارج إذ أنها مسؤولية عظمى يتساوى الناس في صلاحيتهم لتوليها، فما معنى ربطها بأناس بخصوصهم؟! وهم في هذا الاتجاه لا ينظرون إلى ما ورد في ذلك من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إلى ما قاله جمهور الصحابة والتابعين وسلف الأمة، بل حكموا فيها مجرد رأيهم وما تميل إليه نفوسهم. يقول الأشعري: " ويرون أن الإمامة في قريش وغيرهم إذا كان القائم بها مستحقاً لذلك ولا يرون إمامة الجائر" (?).واعتبر الشهرستاني تجويز الخوارج للإمامة في غير قريش من بدعهم التي خرجوا من أجلها في الزمن الأول، فبعد أن ذكر خرافتهم في القول بالاستغناء عن الإمام قال مصوراً رأيهم: "وإن احتيج إليه فيجوز أن يكون عبداً أو حراً أو نبطياً أو قرشياً" (?).وقال ابن حزم: " وذهبت الخوارج كلها وجمهور المعتزلة وبعض المرجئة إلى أنها جائزة في كل من قام بالكتاب والسنة قرشياً كان أو عربياً أو ابن عبد" (?).