فقال حيان بن ظبيان: أما أنا فلا حاجة لي فيها، وأنا بك وبكل امرئ من إخواني راض، فانظروا من شئتم منكم فسموه فأنا أول من يبايعه، فقال لهم معاذ بن جوين بن حصين: إذا قلتما أنتما هذا وأنتما سيدا المسلمين وذووا أنسابهم في صلاحكما ودينكما وقدركما، فمن يرأس المسلمين وليس كلكم يصلح لهذا الأمر؟! وإنما ينبغي أن يلي على المسلمين إذا كانوا سواءً في الفضل أبصرهم بالحرب، وأفقههم في الدين، وأشدهم اضطلاعاً بما حمل، وأنتما بحمد الله ممن يرضى بهذا الأمر فليتوله أحدكما. قالا: فتوله أنت فقد رضيناك فأنت والحمد لله الكامل في دينك ورأيك، فقال لهما: أنتما أسن منى فليتوله أحدكما، فقال حينئذ جماعة من حضرهما من الخوارج: قد رضينا بكم أيها الثلاثة فولوا أيكم أحببتم. فليس في الثلاثة رجل إلا قال لصاحبه: تولها أنت فإني بك راض وإني فيها غير ذي رغبة، فلما كثر ذلك بينهم قال حيان بن ظبيان: فإن معاذ بن جوين قال: إني لا ألي عليكما وأنتما أسن مني، وأنا أقول لك مثل ما قال لي ولك لا ألي عليك وأنت أسن مني، أبسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعه، ثم بايعه معاذ بن جوين، ثم بايعه القوم جميعاً" (?).

من هذه المحاورة يظهر عدم رغبتهم في تولي الخلافة حينما يكون الأمر فيما بينهم، فإنهم يعتبرونها عبئاً ثقيلاً ومسئولية عظمى أمام الله يوم القيامة. ويذكر المبرد أن مرداساً وأصحابه حينما خرجوا " أرادوا أن يولوا أمرهم حريثاً فأبى فولوا مرداساً (?).ويذكر الباروني أنه بعد وفاة الإمام عبد الرحمن بن رستم تحيروا فيمن سيقبل الخلافة من السبعة الأشخاص الذين عينهم الإمام لتوليها بعده ومن بينهم ولده عبد الوهاب، وأنهم صاروا – كما يذكر – يتداولون الأمر شهراً كاملاً دون أن يتحملها أحد لحرج موقفها فيقول في وصف ذلك: " ثم اجتمع أهل الشورى منهم والصالحون للنظر فيمن يولونه الأمر بعده، ولشدة تحريهم رحمهم الله لم يقصدوا أحداً إلا وتبرأ منها ودفعها علماً بحرج موقفها، وبقي الأمر كذلك موقوفاً نحو شهر كامل لم يثبت لهم فيها قرار ولم يستقر لهم رأي ... " (?) إلخ.

وأيا كان الرأي في زهدهم عن تولي الإمامة فإنها كانت – كما قلنا – أهل عامل في نشأتهم وكان إصلاح أمرها أهم ما يشغلهم، بياناً لحكمها وشرائطها وكيفية إصلاح سياسة الأئمة فيها على نحو ما سنبينه في هذا الفصل.

¤الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص393

طور بواسطة نورين ميديا © 2015