نشأ الخوارج كقوة مستقلة بعد قضية التحكيم - كما قدمنا - وصار لهم نفوذ وكلمة وقوة فعلية كان لها أثرها البالغ في شغل الخلفاء والولاة وتصدع كيان الأمة الإسلامية زمناً طويلاً، وقد كانت مشكلة الإمامة من أهم العوامل التي أدت إلى نشأتهم وشغلت أكبر قسط من نشاطهم منذ أن اختلفوا على إمامة الإمام علي رضي الله عنه وطوال عهد الخلفاء الأمويين وإلى زمن متقدم في الدولة العباسية، وهم ناقمون على هؤلاء الخلفاء سياستهم في الرعية من عدم تمكينهم من اختيار إمامهم بأنفسهم ثم سياستهم الداخلية في الناس.

وقد شغلتهم مشكلة الإمامة فكرياً بتحديد شخصية الإمام وخصائصه ودوره في المجتمع وعملياً بالسعي المتواصل ولو بالقوة في سبيل إصلاح سياسة الأئمة، ومن هنا كان الخوارج يزعمون أن خروجهم كان لأجل إسقاط الحكام الظلمة وأئمة الجور - كما يعبرون عنهم - وإقامة حكمهم العادل الذي يطبق أحكام الإسلام كما هي قولاً وفعلاً، وكان خطباؤهم وقوادهم يركزون على هذه الناحية في كل مقال لهم.

فكانوا يرون أن في سكوتهم عن ولاة الدولة الأموية والعباسية وعدم مقاومتهم بكل ما يستطيعون من قوة مداهنة في الدين ورضا بالكفر، وأن دينهم يحتم عليهم مقاومة أئمة الجور مهما كانت التضحيات، ولهذا فهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015