هكذا يقول الخوارج عن أنفسهم؛ أنهم إنما خرجوا لهذا السبب حتى يقيموا العدل ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ويعودوا بالناس إلى ربهم وإلى دينهم. ولقد كان هذا المعنى من أول المعاني التي يستعلن بها زعماء الخوارج فيحركون عامتهم للخروج وحمل السلاح ويستشيرونهم لتحقيق تلك الغاية. ومن هذا ما قاله عبد الله بن وهب الراسبي مخاطبا أتباعه من الخوارج بعد أن حمد الله وأثنى عليه: " أما بعد فوالله ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن وينيبون إلى حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا، التي الرضى بها والركون إليها والإيثار إياها عناء وتبار؛ آثر عندهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بالحق. . فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال أو إلى بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضللة " (?).ومثله قول حرقوص بن زهير لإخوانه من الخوارج: " إن المتاع بهذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها وشيك فلا تدعونكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها، ولا تلفتنكم عن طلب الحق وإنكار الظلم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون" (?).وهكذا قول حيان بن ظبيان مخاطبا أصحابه، وقد كانوا خرجوا إلى الري فلما بلغهم نبأ مقتل علي سرهم ذلك جدا – فقال لهم حيان يحثهم على الخروج: " فانصرفوا بنا رحمكم الله، فلنأت إخواننا فلندعهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلى جهاد الأحزاب؛ فإنه لا عذر لنا في القعود، وولاتنا ظلمة، وسنة الهدى متروكة، وثأرنا الذين قتلوا إخواننا في المجالس آمنون، فإن يظفرنا الله بهم نعمد بعد إلى التي هي أهدى وأرضى وأقوم ويشفي الله بذلك صدور قوم مؤمنين، وإن نقتل فإن في مفارقة الظالمين راحة لنا، ولنا بأسلافنا أسوة " (?).ولم يكن الخوارج يرون أن جور الخلفاء الأمويين والعباسيين وظهور المعاصي والمنكرات والمظالم في عهودهم هو الذي حركهم للخروج، بل كانوا يرون أن هذه الحال قد بدأت منذ عهد الإمام علي رضي الله عنه؛ فهم يعتبرون خلافته شرعية وأنهم يتطلعون إلى رجل مثل عمر في عدله وحزمه وكفاءته، وهذا هو ما نسمعه على لسان عبد الله بن شجرة السلمي الخارجي عندما قال له ولأصحابه قيس بن عبادة: عباد الله، أخرجوا إلينا طلبتنا منكم - يعني قتلة عبد الله بن خباب - وأدخلوا في هذا الأمر الذي منه خرجتم وعودوا بنا إلى قتال عدونا وعدوكم، فإنكم ركبتم عظيما من الأمر تشهدون علينا بالشرك والشرك ظلم عظيم، وتسفكون دماء المسلمين وتعدونهم مشركين ". فقال له عبد الله بن شجرة السلمي: " إن الحق قد أضاء لنا فلسنا نتبعكم أو تأتونا بمثل عمر " (?).
ورأي الخوارج في علي لا يقل عن رأيهم في بقية الخلفاء من بعده؛ فهو عندهم – كما سبق – متهم بالكفر والظلم ومجانبة الحق، وأن جهاده بزعمهم قربة إلى الله، وهذا هو الذي دفعهم كما يقولون إلى الخروج عليه لعدم استحقاقه الخلافة، ولما عليه أتباعه من الضلال بزعمهم. وقد بينوا أيضاً أن من أسباب خروجهم عليه بعد التحكيم منعه لهم عن السبي يوم الجمل ظانين أنه بهذا المنع قد ظلمهم حقهم الذي استحقوه بجهادهم فيما يرون، وذلك في قولهم له: " أول ما نقمنا منك أن قاتلنا بين يديك يوم الجمل، فلما انهزم أصحاب الجمل أبحت لنا ما وجدنا في عسكرهم من المال ومنعتنا من سبي نسائهم " (?).