وقد سار على هذا الرأي أصحاب المعاجم ودوائر المعارف (في مادة الخروج) والكتاب المحدثون الذين كتبوا عن الفرق الإسلامية كالأستاذ أحمد أمين والشيخ أبو زهرة والغرابي رحمهم الله وغيرهم، والمؤرخون في تأريخهم لأحداث الفتنة الكبرى. يقول الأستاذ أحمد أمين: واسم الخوارج جاء من أنهم خرجوا على علي وصحبه (?).ويقول الشيخ أبو زهرة: اقترن ظهور هذه الفرقة (أي الخوارج) بظهور الشيعة، فقد ظهر كلاهما كفرقة في عهد علي رضي الله عنه وقد كانوا من أنصاره (?). وصاحب كتاب (الأديان) وهو إباضي يعتبر خروج الخوارج إنما كان على علي حينما حكم (?).

وقد أصبح إطلاق اسم الخوارج على الخارجين عن الإمام علي أمرا مشتهرا بحيث لا يكاد ينصرف إلى غيرهم بمجرد ذكره.

هذه هي الأقوال في بدء نشأة الخوارج، وعلينا في اختيار ما نراه صحيحا منها أن نفرق بين بدء نزعة الخروج على صورة ما، وظهور الخوارج كفرقة لها آراؤها الخاصة، ولها تجمعها الذي تحافظ عليه وتعمل به على نصرة هذه الآراء.

والواقع أن نزعة الخروج – أو بتعبير أدق بدء نزعة الخروج – قد بدأت بذرتها الأولى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتراض ذي الخويصرة عليه. لكن هل كان خروجا حقيقيا أم كان مجرد حادثة فردية اعترض فيها واحد من المسلمين على طريقة تقسيم الفيء طمعا في أن يأخذ منه نصيبا أكبر؟ وهو الأمر الذي سنرجحه فيما بعد.

أما تعبير النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي الخويصرة بأن له أصحابا فقد يجوز:

أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد توقع وجود أصحاب يؤيدون هذا الرجل حيث استطاع الاعتراض على صاحب الدعوة، فامتنع عن قتله تألفا له ولهم.

ويجوز أيضا أن يكون ذلك القول كان توقعاً من النبي عليه السلام وإخبارا عما سيكون من عاقبة هذا الرجل وأمثاله؛ إذ إن الاعتراض على شخصيته صلى الله عليه وسلم يجعل من المتوقع أن يوجد الاعتراض على الخلفاء من بعده والخروج عليهم من باب أولى.

ويجوز أن يكون قصد النبي صلى الله عليه وسلم بالأصحاب لهذا الرجل هم من يكونون على شاكلته في مستقبل الأيام بحيث يكونون متابعين له على فكرته، وإن لم يتزعم قيادتهم في هذا الخروج على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الخلفاء.

لقد مضى عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولم يكن لذي الخويصرة ذكر في هذه العهود بعد تلك الحادثة لا بنفسه ولا مع من يمكن أن يكونوا على شاكلته. ولم يذكر التاريخ - فيما اطلعت عليه – أنه كان كذلك من الثائرين على عثمان رضي الله عنه أو أنه كان له أبناء أو أصحاب ينتسبون إليه في تلك الثورة مع أن الفارق الزمني بين ورود الحديث فيه وبين أحداث الفتنة الكبرى يسمح بمثل هذا لو كان.

كل هذا يجعل من هذه الحادثة التي ارتكبها ذو الخويصرة حادثة فردية في وقتها؛ حيث لم يشتهر بالخروج ولم تعرف له آراء خاصة يتميز بها ولم يكون له حزبا سياسيا معارضا وإن لم يمنع هذا من اعتباره الفيء لمجرد نزعة الخروج في صورة ساذجة، إذا صح أن يكون الاعتراض على تقسيم الفيء خروجا.

وأما القول بأن نشأتهم تبدأ بثورة الثائرين على عثمان رضي الله عنه، فلا شك أن ما حدث كان خروجا عن طاعة الإمام إلا أنه لم يكن يتميز بأنه خروج فرقة ذات طابع عقائدي خاص لها آراء وأحكام في الدين، غاية ما هنالك أن قوما غضبوا على عثمان واستحوذ عليهم الشيطان حتى أدى بهم إلى ارتكاب جريمة قتله ثم دخلوا بين صفوف المسلمين كأفراد منهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015