القول الرابع: أن نشأة الخوارج بدأت سنة 64هـ بقيادة نافع بن الأزرق في أواخر ولاية ابن زياد وهذا الرأي لعلي يحيى معمر الإباضي (?). وهو في هذا الرأي يتابع قطب الأئمة أبي إسحاق أطفيش الإمام الإباضي الذي يرى أن ما حدث بين الإمام علي وبين الطائفة التي انفصلت عن جيشه والتي سميت فيما بعد بالمحكمة إنما هو نوع من أنواع الفتن الداخلية التي وقعت بين المسلمين في ذلك العصر؛ حيث اعتبرت تلك الطائفة أن علياً رضي الله عنه قد زالت عنه الإمامة الشرعية حينما قبل التحكيم، ولهذا فقد ولوا عبد الله بن وهب الراسبي في زهده وتقواه ودعى هذا بدوره عليا للدخول في طاعته بعد أن اختاره من معه من الصحابة وغيرهم (?) – كما يدعي الخوارج.
فلم يكن ما حدث بين علي ومن معه في نظر أصحاب هذا الرأي إلا فتنة انتهت على نحو ما انتهت عليه وليس خروجا على الإمام، كما هو المعنى الحقيقي للخروج الذي يرون أنه لم يبتدئ إلا بخروج نافع بن الأزرق. أما ما كان قبل ذلك من حركات ثورية على علي رضي الله عنه والأمويين من بعده فهي مجرد ثورات ومواقع حربية دارت بين الفريقين وليست خروجا بالمعنى الصحيح. يقول في هذا أبو إسحاق أطفيش: " الخوارج طوائف من الناس في زمن التابعين وتابع التابعين رؤوسهم: نافع بن الأزرق، ونجدة بن عامر، ومحمد بن الصفار، ومن شايعهم، وسموا خوارج لأنهم خرجوا عن الحق وعن الأمة بالحكم على مرتكب الذنب بالشرك " (?). ويقول علي يحيى معمر: " سبق إلى أذهان أكثر الناس – بسبب خطأ المؤرخين في ربط الأحداث – أن المحكمة الذين قتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في وقعة النهروان هم أصل الخوارج وهو مفهوم خاطئ؛ فإن المحكمة قد قتلوا في النهر ولم ينج منهم إلا تسعة أفراد، ثم ثار على الحكم الأموي طوائف كثيرة من الناس جماعات وأفرادا، حتى ظهر الخوارج في أواخر ولاية ابن زياد سنة 64 هـ, بقيادة نافع بن الأزرق، فمعركة النهروان هي فتنة بين الصحابة وقعت بين الإمام علي بن أبي طالب والمحكمة (?). ومما يجدر بالذكر أنه قد استبعد أن يكون الناجون من حرب النهروان تسعة فقط كما يأتي ذلك فيما بعد. وهنا أثبت ذلك العدد تأكيدا لرأيه في بدء نشأة الخوارج.
القول الخامس: أن نشأتهم بدأت بانفصالهم عن جيش الإمام علي رضي الله عنه وخروجهم عليه، وهذا الرأي هو الذي عليه الكثرة الغالبة من العلماء إذ يعرفون الخوارج بأنهم هم الذين خرجوا على علي بعد التحكيم، ومن هؤلاء الأشعري فقد أرخ للخوارج، وأقدم من أرخ لهم منهم هم الخارجون على الإمام علي وقال عنهم: " والسبب الذي سموا له خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب (?).وقد تابعه في صنيعه البغدادي؛ حيث بدأ التاريخ للخوارج بذكر الخارجين على علي رضي الله عنه (?). وكذلك يرى أبو الحسين الملطي أن الفرقة الأولى للخوارج هي المحكّمة (?).