وسبحان الله العظيم! كيف يدور الزمن دورته فيحاول "فلاسفة" عصرنا و"علمائه" أن يعيدوا تمثيل ما حدث في أوربا منذ ثلاثة قرون أو أكثر، فيمكنوا لعبادة "الحرية" ويزدروا مناهج سلفنا الصالح! أليس ذلك كفعل الببغاء الذي عقله في أذنيه!؟. ثم يعلن كاريل في قوة ووضوح أن زيف المباحث النظرية هو السبب الأصيل وراء تدهور الحضارة فيقول: "ولذلك كان انتصار المذاهب النظرية تأكيدا نهائيا لهزيمة الحضارة" (?).وإن كان كاريل قد شهد بذلك، فإننا نسوق شهادة واحد من أعتى المستشرقين وأكثرهم حقدا على الإسلام وأهله، وهو هاملتون جب حيث يقول: "إن تركيز الفكر العربي على الأحداث الفردية، جعل العلماء المسلمين معدين للتعمق في المنهج الاختياري العلمي أكثر من أسلافهم الإغريق والإسكندرانيين. إن الملاحظات المفصلة التي قام بها باحثوا الإسلام قد ساهمت بشكل ملموس في تقدم المعرفة العلمية، بل إنها المصدر الذي أعاد المنهج التجريبي إلى أوربا في العصر الوسيط" (?).

فيا للعجب! ألم يكن أجدر "بفلاسفتنا" أن يدركوا من روح الإسلام ما أدركه ذلك الخبيث!! وصدق القائل (عدو عاقل. .).

ونكتفي بهذا القدر من الشهادة لاثنين من أكابر علماء الغرب، وما كنا لننقل عن أحد من تلك الأمم، ولكن الشهادة التي يقر بها المخالف أكبر قيمة - في صدقها – من تلك التي يدلي بها الموافق. وإن في الحضارة الغربية آفات قاتلة تتركز في مناهجها ونظرياتها وسلوكياتها، وإن كان فيها من المباحث العلمية والمناهج التطبيقية والتقدم التكنولوجي ما يجب على المسلمين الأخذ به والتسابق في تعلمه وتطويره – إن أمكن – فهم أولى البشر بالأخذ بأسباب القوة وتجنب مواطن الضعف.

وإنها لحكمة جد عزيزة غالية نقدمها للمخلصين من أبناء هذا الجيل من الإسلاميين؛ أن لا تقيموا وجهة نظركم على الرفض الكامل، ولا على الموافقة التامة في كل الأحوال بل إن التوسط والاعتدال هو سبيل هذه الطائف الناجية المنصورة بإذن الله.

إن هناك دائما حق بين صفوف الباطل، وحيثما وجد الحق فنحن أولى به من الغير إذ أنه ينتمي لأمة الإسلام دون غيرها.

إن القدرة على أن نفرق بين ما نأخذ وما ندع، من ذلك الحصاد الهائل للبشرية إنما يكمن - في حقيقته - في إدراك المنهج الإسلامي الصحيح وما يدعو إليه، وفي دراسة سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم دراسة واعية لأحداثها وعبرة تلك الأحداث، والله سبحانه وحده هو القادر على أن يكشف عن المسلمين الغمة، وأن يعيد إليهم القدرة على صحة الحكم، ودقة النقد فهم جد محتاجين إلى ذلك في مواجهة تلك التيارات التي يعج بها العصر. إنه سميع مجيب.

¤المعتزلة بين القديم والحديث لمحمد العبده وطارق عبد الحليم – ص 141

طور بواسطة نورين ميديا © 2015