كان لأفكار المدرسة العقلية صدى كبيراً في دراسات المستشرقين، والحقيقة أنا لا ندري من أين نبدأ وإلى أين ننتهي بين عبارات الثناء والترحيب بهم من المستشرقين ولعلنا نكتفي أيضاً بالإشارة. فهذا جب يقول عنهم "لسوء الحظ ظل قسم كبير من المسلمين المحافظين ولا سيما في الهند لا يخضعون لهذه الحركات الإصلاحية المهدئة وينظرون إلى الحركة التي تزعمتها مدرسة عليكره بالهند ومدرسة محمد عبده بمر نظرة كلها ريبة وسوء ظن لا تقل عن ريبتهم في الثقافة الأوروبية نفسها" (?) ثم وضح هذا المستشرق الإنجليزي جب دور المدرسة العقلية بقوله "إن في كل البلاد الإسلامية – باستثناء شبه جزيرة العرب وأفغانستان وبعض أجزاء من أواسط أفريقيا – حركات معينة تختلف قوة واتساعاً ترمي إلى تأويل العقائد الإسلامية وتنقيحها" ثم قال "وقد اتجهت مدرسة محمد عبده بكل فروعها وشعبها نحو تحقيق هذا الهدف" ثم ذكر "أن الأديب "بانيرث" المبشر يرى أن حركة الإصلاح الإسلامي – على النحو الذي تسير فيه الآن يجب أن تقابل من المسيحية الغربية بالتشجيع" (?).ولعله يكفي هنا أن ننقل عن جب رأيه في تلاميذ محمد عبده حيث يقول "إن تلامذته هم من أولئك الذين تعلموا على الطريقة الأوروبية وذلك من ناحيتين أولاهما إن ما كتبه الشيخ كان بمثابة درع واقية للمصلحين الاجتماعيين والسياسيين فإن عظمة اسمه قد ساهمت في نشر أخبار لم تكن تنشر من قبل ثم إنه قد أقام جسراً من فوق الهوة السحيقة بين التعليم التقليدي والتعليم العقلي المستورد من أوربا الأمر الذي مهد للطالب المسلم أن يدرس في الجامعات الأوروبية دون خشية من مخالفة معتقده وهكذا انفرجت مصر المسلمة بعد كبت، فقد ساهم الشيخ محمد عبده أكثر من أي شخص آخر في خلق اتجاه أدبي جديد في إطار الروح الإسلامية" (?).أما الجاسوس البريطاني ألفريد سكاون بلنت فيصف دعوتهم بأنها "الإصلاح الديني الحر" ويصفهم بأنهم "زعماء الإصلاح في الأزهر" ويصف مدرستهم بأنها "تلك المدرسة الواسعة التقية" (?).وقال عن الأفغاني "ومن أغرب ما يروى أن الفضل في نشر هذا الإصلاح الديني الحر بين العلماء في القاهرة لا يعود إلى عربي أو مصري أو عثماني ولكن إلى رجل عبقري غريب يدعى السيد جمال الدين الأفغاني" (?).وقال عن محمد عبده أنه "رجل من أحسن وأحكم الرجال العظام ويجب أن لا يتوهم أحد أني إذ أستخدم هذه الألفاظ ألقي القول على عواهنه أو أبالغ مثقال ذرة ولكني أقولها معتمداً على معرفتي بأخلاقه في ظروف مختلفة وأحوال صعبة فقد عرفته في أول الأمر معلماً دينياً ثم قائداً لحركة الإصلاح الاجتماعي ... وأخيراً حين سودته مواهبه العقلية ونصرته من جديد" (?).وتحدث عن هدف الأفغاني فقال "كان همه أن يطلق العقول من الأغلال التي قيدتها طوال الأجيال الماضية" وأن هذا "يماثل ما حدث من إحياء المسيحية بأوربا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر" (?).وهذا جولد زيهر يبين قصد مدرسة المنار بأنه "تحقيق قدرة الإسلام على الحياة بين تيارات العصر الحديث عن طريق إصلاح الأحوال المغلولة بقيود المذاهب الجامدة" واعتبر السيد جمال الدين الأفغاني المحرك الأول لهذا الاتجاه (?).
¤منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير لفهد الرومي - ص 804