المبحث السادس: موقف علماء المسلمين منهم

أ- المعاصرين لهم: ونبدأ ذلك بأقوال الشيخ محمد الجنبيهي صاحب كتاب (بلايا بوزا) الذي وضعه رداً على طه حسين في كتابه (في الشعر الجاهلي) ويرمز الشيخ الجنبيهي بـ (بوزا) لطه حسين وهو اصطلاح فرنساوي وهي قطعة من الخشب وزنها خفيف .. على هيئة قبل الرجال ولقد ركبت تلك القطعة على مقعر من رصاص ثقيل .. فتراها كلما ألقيت فوق الأرض كانت قائمة وقد ضربها عقلاء الأقدمين مثلاً لكل ضال حائر مغرور ذي لسانة وسفه فقد مزايا الأدباء وشذ عن مناهج الفضلاء متلبساً بعناد وإصرار شيطاني من حيث لا يشعر بما يقول ولا بما يعمل فلا تتوجه به أمياله إلا إلى مخالفة الفضلاء ومعارضة الأدباء بما لا يعلم عاقبته ولا يستطيع أن يقيم على صحته دليلاً" (?).وحينما يتحدث الشيخ عن الأفغاني ومحمد عبده فإنه لا يتحدث حديث التخرص والظنون وإنما حديث من خالطهم وعاشرهم، فهو حديث خبير بهم حيث يقول "إني نشأت بعد بلوغ الرشد وطلب العلم في الأزهر الشريف مصاحباً لتلميذ جمال الدين الأفغاني ومحاذياً له قدماً بقدم بعدما أتى جمال الدين الديار المصرية وكثيراً ما جالست ذلك الرجل وتذاكرت معه مذكرات ذكرتها في بعض الكتب وما كان يدعوني إلى مجالسته إلا صاحبي الذي كان يظن أن يجذبني إلى الميل إلى ما مال إليه من فتنة ذلك الفاتن وكنت أطمع أن أكون سبباً في خلاصه من تلك الفتنة "ولكن الله غالب على أمره"" (?).إذن فحديثه حديث المخالط المعاشر فلنذكر حديثاً له مع جمال الدين الأفغاني، كان محور الحديث بينهما ما يروى من الحديث القدسي ((كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني)) قال الجنبيهي "ولقد كان لي في هذا الحديث القدسي مع جمال الدين الأفغاني واقعة كانت سبباً لعدم اتصالي به مع شديد رغبته ورغبة تلميذه الذي أشرنا إليه من قبل، وتلك الواقعة هي أني سألته عن هذا الحديث لعلمي أنه ينكر الأحاديث القدسية لأنه طبيعي لا يعترف بوجود إله، وكنا في مجمع من الناس فقال ليس هذا وقت الكلام على هذا الحديث فأمهلني لوقت آخر "إلى أن قال أنه وجده في مجالس اللاهين في قهوة من القهاوي فقال له "هذا وقت الكلام على ذلك الحديث الشريف" فما كان جوابه إلا أن قال:- ذهب فيلسوف إلى المنتزه في يوم العيد فوجد الناس على حال مضحك: منهم من هو مخمور ومنهم من هو لاعب ومنهم من هو مرافق لامرأة من المومسات ومنهم من هو راقص ومنهم من هو متلبس بما لا يرتضيه أبناء البشر فنظر ذلك الفيلسوف إلى السماء قائلاً "الآن وقعت الحسرة في قلبك أهؤلاء كلهم عرفوك" فعند ذلك تغير حالي وعلمت أن الرجل ضال فقلت له أن هذا الفيلسوف لأحمق ومجنون قال: ولم ذلك قلت: لأن من جهل ربه في الدنيا يعرفه فيما بعد الموت ومن جهله في الرخاء يعرفه عند الشدة فما ذلك الفيلسوف إلا ضائع العقل والدين ثم تركت الرجل محزوناً لأن فتنته لم تؤثر في قلبي أثراً كان يريده وكان ذلك الموقف آخر عهدي به" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015