وأول ما يصادفنا في حياته من غموض الاختلاف في أصله أهو إيراني أم أفغاني وهو يذكر أنه أفغاني في كثير من أقواله ورسائله وأحياناً يسمي نفسه "الكابلي" أو "الحسيني" وكلها ألقاب يعرف بها الرجل ويشك في صحة هذا كثير من المؤرخين ويزيد الأمر شكا أن التاريخ لا يحدثنا عن عودته أو محاولته الاتصال بأهله وعشيرته في أفغانستان بعد خروجه منها بينما يذكر عودته المتكررة إلى إيران ويذكر أن معظم من يتصل به في تركيا إيرانيون وقنصل إيران قدم له العون عند نفيه من مصر والذي يقوم بدور الترجمة له في العروة الوثقى إيراني. ونحن لا يهمنا معرفة أصله أإيراني هو أم أفغاني بقدر ما يهمنا معرفة الدافع له إلى التنكر ولا يقنعنا وحدة القول بأنه إنما تنكر حتى يستطيع الخلاص من رقابة الحكومة الإيرانية لرعاياها في الخارج. ومع أنه كان يدعو إلى تنقية الدين الإسلامي مما علق به من الخرافات كتقديس الأموات والتبرك بهم ونحو ذلك إلا أنا نراه يستغل هذه النقطة أبشع استغلال فيلجأ إلى مقام عبدالعظيم خوفاً من ناصر الدين شاه ويثير فيهم الحمية لهذا المعتقد الباطل بالانتقام من ناصر الدين شاه فيقول "وأما قصتي وما فعله هذا الكنود الظلوم معي فمما يفتت أكباد أهل الإيمان ويقطع قلوب ذوي الإيقان ويقضي بالدهشة على أهل الكفر وعباد الأوثان إن ذلك اللئيم أمر بسجني وأنا متحصن بحضرة عبدالعظيم عبدالسلام" (?) ويصف هذا المقام بأنه "حرم من دخله كان آمنا" (?).بل ويحاول أن يظهر بالقداسة أمام العوام ولو كان بالكذب والخداع حكى عنه سعد زغلول أنه ذكر لهم أنه كان في سفينة خيف عليها الغرق فرأى في الركاب خوفاً فأكد لهم أن السفينة لن تغرق ثم قال "لو غرقت السفينة لم أجد منهم أحدا يكذبني وإن سلمت ظهرت بالقداسة من أقرب سبيل" (?).ومن المآخذ عليه اتخاذه الاغتيال سبيلاً لتحقيق مآربه فقد قال مره في حديث له مع الأستاذ براون لا أمل في الإصلاح قبل قطع ستة أو سبعة رؤوس وسمي بالاسم شاه العجم وكبير وزرائه وكلاهما قتل بعد ذلك (?) وحينما طلب من السيد أن يكف عن مقاومة الشاه مقابل ما يشاء ويتمنى أجاب "لا أتمنى إلا أن تزهق روح الشاه ويشق بطنه ويوضع في القبور" قال عبدالقادر المغربي كل هذا سمعته من فم شيخنا الأفغاني الذي كان يرويه بطلاقة لسان وتوقد جنان" (?) وقد أمر فعلا بالقتل حينما قال رضا آقاخان يوما أنه حاضر أن يفدي نفسه لتخليص أمته فقال له جمال الدين "أن كان كذلك فاذهب وافعل" (?) وأمر السيد رجاله الأفغانيين أنهم إذا رأوا ميرزا في حيهم يقتلونه (?)، وهذا ميرزا حسين خان دانش يصف زيارته لجمال الدين فيقول "وما أن قربت منه حتى وجدته محدقاً بنظره إلى الأرض يزرع البهو من أقصاه إلى أقصاه يروح وغدو غاضباً رافعاً صوته كالمجانين وهو يقول "لا نجاة إلا في القتل لا خلاص إلا في القتل لا سلامة إلا في القتل" .. فاشتد عجبي لهذه الحالة الجنونية التي وجدته عليها ..