وفاته: مكث جمال الدين في الآستانة زهاء أربعة أعوام حتى داهمه السرطان في فكه الأسفل وعملت له ثلاث عمليات جراحية بيد أشهر الأطباء ولم تنجح فمات في 7 شوال 1314هـ الموافق 9 مارس 1897م ودفن في نشان طاش في مقبرة "شيخلر مزارلغي" أي مقبرة المشائخ (?) وقال طبيبه الخاص إن شدة ولع جمال الدين بالسيجار الأفرنجي وكثرة شربه للشاي وتناوله الطعام مالحا كان من مسببات السرطان" (?) حتى قال بعض تلاميذه.

الملح والشاي والدخان ... أودت بروح شيخنا الأفغاني (?)

ومن المؤسف أن يتحامل بعض المؤرخين وينسب قتله إلى الخليفة المسلم السلطان عبدالحميد ويصف السلطان بأنه أكبر طغاة الملوك في عهده مما لا مجال للرد عليه هنا ونكتفي بنقل كلمة لمستشرق فرنسي حيدر بامات حيث يقول "ولكن من القحمة كما يظهر أن يذهب كما صنع بعض مترجميه إلى أنه سم بأمر من السلطان فالرواية التي تعزو موته المفاجئ سنة 1897م إلى سرطان ظهر في الشفة السفلى فاستولى على جميع وجهه بالتدريج أقرب إلى الحق كما يقوم وقد نقل جلود زيهر هذه الرواية فوكدها لنا الأمير شكيب أرسلان الذي كان من تلاميذ جمال الدين وعاشره في السنين الأخيرة من حياته" (?).بل إن ابن أخت جمال الدين يعترف ويقول "فلما رفضت الدولة العثمانية تسليم السيد يعني لإيران لاتهامه بالاشتراك في قتل ناصر الدين شاه – اتفق سفير إيران ومندوبها فوق العادة الذي كان قد أوفد من إيران لهذه الغاية في سنة 1314هـ على أن يسموا ذلك السيد .. وقد حدث ذلك واستشهد جمال الدين" (?).

ونزيد – أيضاً – لو كان للسلطان نية في قتله لسلمه لحكومة إيران التي اتهمته بالاشتراك في قتل ناصر الدين شاه فطلبته من تركيا مع اثنين من شركائه سلمتهما تركيا فأعدما ورفضت تسليم الأفغاني.

حقيقته والمآخذ عليه: مما لا شك فيه أن حياة هذا الرجل مليئة بالأسرار ويحيطها الغموض (?) وتلتبس فيها الحقائق بالأكاذيب ومما يزيد الأمر سوءاً أنه لم يؤرخ للرجل مؤرخ معتدل فأغلب من أرخ له إما معجب به بالغ الإعجاب مبالغاً في الثناء عليه متجاوزاً عن كثير من أخطائه، تكل عينه من كل عيب فيه أعمته عين الرضا عن الحقيقة وإما رجل حاقد كاره بالغ في قدحه وذمه يحمل منه كل شاردة ووارده ما لا تحتمله أعمته عين السخط عن الحقيقة. وزاد بعض تلاميذه الأمر سوءاً فأخفى بعض أعماله زاعما أن الطريقة الماسونية لا تسمح بذكره (?).ويزيد الأمر حينما نعلم أن أكثر نشاطه كان سرياً (?). ولكن مع هذا الغموض فإنا نجد في بعض أفعاله وأقواله مآخذ لا نراها إلا خطيرة توجب إعادة النظر في تقويم بعض الرجال كما قال الدكتور محمد محمد حسين ونحن حين ندعو إلى ذلك لا نريد أن ننقص من قدر أحد ولكننا لا نريد أن تقوم في مجتمعنا أصنام جديدة معبودة لأناس يزعمون أنهم معصومون من كل خطأ" (?).

وقد سبق لنا أن ذكرنا بعض هذه المآخذ في نشاطه الماسوني وفي تفسيره وفي الجامعة التي يدعو إليها وغير ذلك مما لا داعي لإعادته هنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015