جمال الدين في أفغانستان: ولا نعرف مصدراً لتاريخ نشأة الرجل – هذا – إلا ما تحدث به عن نفسه إلى تلاميذه فقالوا أنه لما بلغ الثامنة من عمره أجلسه والده لطلب العلم وعني بتربيته فأيد العناية به إشراق في قريحته وذكاء في مدركته فتلقى علوماً جمة برع في جميعها فمنها العلوم العربية وعلوم الشريعة وعلوم عقلية من منطق وفلسفة وعلوم رياضية ونظريات الطب والتشريح (?).واستكمل الغاية من دروسه في الثامنة عشرة من عمره ثم سافر إلى الهند فأقام بها سنة تعلم في خلالها شيئاً من العلوم الأوروبية وأساليبها (?).وعرض له وهو في الهند أن يؤدي فريضة الحج فاتجه إلى مكة المكرمة وقضى نحو سنة يتنقل في البلاد ويتعرف أحوالها وعادات أهلها حتى وافى إلى مكة المكرمة سنة 1273هـ 1857م وأدى الفريضة (?) ثم عاد إلى بلاده ودخل في سلك رجال الحكومة على عهد الأمير دوست محمد خان وبعد وفاته تنازل أولاده في الإمارة فانضم جمال الدين إلى محمد أعظم الذي أحله محل الوزير الأول ولكن النصر كان في النهاية حليف شير علي. لتأييد الإنكليز له فهرب محمد أعظم إلى إيران وبقي جمال الدين في أفغانستان لم يمسسه الأمير بسوء إلا أنه خشي الانتقام منه فاستأذن للحج فأذن له فرحل إلى الهند سنة 1285هـ 1869م (?).
رحلاته:
في الهند: كان يريد من رحلته إلى الهند الإقامة بها من غير ظهور وبكل بساطة وقد كانت الهند تحت الاستعمار البريطاني فكانت دهشته عظيمة عندما رأى الحكومية الهندية تستقبله على الحدود استقبالا رسمياً ليس له مبرر (?) ولكنهم لم يسمحوا له بالإقامة الطويلة في الهند فمكث فيها نحو شهر ثم سيرته على حسابها في أحد مراكبها إلى السويس 1286هـ - 1870م.
في مصر:
كانت تلك أول زيارة له إلى مصر فأقام بها أربعين يوماً تردد فيها على الأزهر واتصل به بعض طلبة العلم السوريين فقرأ لهم شرح كتاب الأظهار ثم سافر إلى الأستانة سنة 1287هـ 1870م.
في الآستانة: لما وصل إلى الآستانة أقام بها مجهول المكان حتى أهدى إليه بعض أكابر الوزراء فعينه عضوا في مجلس المعارف (?) وفي رمضان سنة 1287هـ ألقى خطاباً في دار الفنون في الحث على الصناعات شبه فيه المعيشة الإنسانية ببدن حي وأن كل صناعة بمنزلة عضو منه فشبه الملك بالمخ والحدادة بالعضد والزراعة بالكبد والملاحة بالرجلين وغير ذلك ثم قال: "ولا حياة لجسم إلا بروح وروح هذا الجسم إما النبوة وإما الحكمة" (?) مما أهاج عليه شيخ الإسلام حسن فهمي أفندي وعدداً من العلماء والوعاظ في المساجد محتجين على جمال الدين بأنه جعل النبوة صنعة وانتهى الأمر بأن أشير على جمال الدين بالجلاء عن الآستانة ريثما تسكن الخواطر فسافر إلى مصر في أول سنة 1288هـ 1871.