المبحث الثالث: أبرز شخصيات المدرسة العقلية الحديثة

المطلب الأول: جمال الدين الأفغاني

اسمه: جمال الدين بن صفدر الحسيني الأفغاني، وصفدر لفظ فارسي من ألقاب الإمام علي رضي الله عنه عند الشيعة ومعناه مقتحم الصف وقد حرف هذا الاسم من كتبوا ترجمته بالعربية فقالوا: - "صفتر" (?).زعم تلميذه الشيخ محمد عبده أن نسبه ينتمي إلى السيد علي الترمذي المحدث المشهور ويرتقي إلى سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (?) وقال بهذا الزعم أيضاً مصطفى عبدالرازق (?) ومن سمى نفسه بالمؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعي (?) وقال به أيضاً تلميذه محمد المخزومي (?) وغيرهم.

ولم أجد في كتب الحديث وعلومه من يسمى بـ "علي الترمذي" وينمي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب سواء كان هذا المحدث مشهوراً أو مغموراً.

ثم أي علاقة بين "الترمذي" وهو من خراسان وبين الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهما وهو قرشي من مكة؟!

لذلك فلا عجب أن يكتب أبو الهدى الصيادي من الآستانة إلى السيد رشيد رضا قائلاً:-"أني أرى جريدتك طافحة بشقاشق المتأفغن جمال الدين الملفقة وقد تدرجت به إلى الحسينية التي كان يزعمها زورا، وقد ثبت في دوائر الدولة رسميا أنه ما زندارني من أجلاف الشيعة .... " (?).

ثم نقول بعد هذا أي فضل للرجل بهذا النسب عند من دينه إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13] وخوطب نبيه بقوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214].

مولده: ولد سنة 1254 هـ - 1838م وأول ما يصادف المؤرخ لحياة هذا الرجل من غموض الخلاف في مكان مولده هل ولد في أسعد آباد قرية من قرى كير من أعمال كابل في أفغانستان أو في أسد آباد قرب همدان أحدى مقاطعات إيران فيكون إيرانياً لا أفغانياً وإنما آثر أن ينسب نفسه – كما قال بروكلمان – إلى أفغانستان لأسباب سياسية (?) أو أن والده ضابط إيراني أوفدته حكومته إلى بلاد أفغان فتزوج هناك (?).

ولا أحسب أن للبحث عن أصل الرجل أي رجل أهمية إذا ما حسنت عقيدته وصفت سريرته واستقامت سيرته، ولكن قد يلزم البحث عن هذا إذا كان ذلك الرجل هو الذي أراد تعمية أصله ونسبة نفسه إلى غيره مع غموض في اتصالاته وعلاقته وأنشطته فيجب على الباحث تحري هذه المعرفة السبب الدافع له إلى هذه التعمية فقد يكون وراء الأكمة ما وراءها.

إذن فهناك أمور ثلاثة نراها بارزة في نسبة الرجل وأصله:-أولها: أن اسم والده "صفدر" وهو لفظ فارسي من ألقاب الإمام علي رضي الله عنه عند الشيعة ولا يوجد إلا بين الشيعة (?).

ثانيها: أنه لا صحة لانتسابه إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما من طريق "علي الترمذي" وإنما انتحل هذا لإضفاء قداسة باطلة على شخصه.

ثالثها: أنه إيراني لا أفغاني كما ينسب نفسه وسيتضح لنا هذا فيما بعد – إن شاء الله – وإنما نسب نفسه إلى أفغانستان لأسباب غير ظاهرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015