المطلب الأول: مسالة اللطف

يحسن قبل البدء في الكلام على هذه المسألة أن نعرف ما هي حقيقة اللطف؟ يجيبنا على هذا السؤال: القاضي عبدالجبار فيقول: "اعلم أن اللطف هو كل ما يختار عنده المرء الواجب، ويتجنب القبيح، أو ما يكون عنده أقرب إما إلى اختيار الواجب أو ترك القبيح" (?).

شرح التعريف:

يرى القاضي أن اللطف هو كل ما يحمل الإنسان إلى اختيار الواجبات، وترك المنهيات، أو يكون بسببه أقرب إلى اختيار المأمورات، أو ترك المنهيات.

الفرع الأول: رأي المعتزلة في اللطف:

لمعرفة رأي المعتزلة هنا؛ لابد أن نسوق شيئاً من أقوالهم التي قالوها في هذا الصدد. يقول القاضي عبدالجبار: "اعلم أن شيوخنا المتقدمين كانوا يطلقون القول بوجوب الألطاف إطلاقاً، ولا وجه لذلك، بل يجب أن يقسم الكلام فيه ويفصل؛ فنقول: إن اللطف؛ إما أن يكون متقدماً للتكليف، أو مقارناً له، أو متأخراً عنه. فإن كان متقدماً؛ فلا شك في أنه لا يجب؛ لأنه ... لا يجب إلا لتضمنه إزاحة علة المكلف، ولا تكليف هناك حتى يجب هذا اللطف ... ، وأيضاً فإنه ... جرى مجرى التمكين، ومعلوم أن التمكين قبل التكليف لا يجب؛ فكذلك اللطف. وإن كان مقارناً له؛ فلا شبهة أيضاً في أنه لا يجب؛ لأن أصل التكليف إذا كان لا يجب؛ بل القديم تعالى متفضل به مبتدئاً فلأن لا يجب ما هو تابع له أولى ... ثم لا يفترق الحال بين ما إذا كان لطفاً في الواجبات، وبين ما إذا كان لطفاً في النوافل، فإنه تعالى كما كلفنا الواجبات، فقد كلفنا النوافل أيضاً، فكان يجب عليه اللطف، سواء كان لطفاً في فريضة أو في نافلة خلاف الواحد منا ... " (?).ويقول في موضع آخر: " ... وقد بينا أن ما وجد مع التكليف ... لا يكون واجباً .. وإنما يجب ما يتأخر عن حال التكليف من التمكين والألطاف، وما لا يصحان إلا به ... " (?).ويقول في موضع ثالث - وهو يتكلم عن رأي المعتزلة في اللطف -: "ومنهم من يقول: إنه يجب على الله أن يفعل بالمكلف الألطاف، وهو الذي يذهب إليه أهل العدل حتى منعوا أن يكون خلاف هذا قولاً لأحد من مشايخهم. فذكروا أن بشر بن المعتمر رجع إلى هذه المقالة، حكاه عنه أبو الحسين الخياط، وغيره. وقد كان جعفر بن حرب ... يذهب إلى أن المكلف إذا كان ما يفعله من الإيمان مع عدم اللطف ... أعظم ثواباً، فاللطف غير واجب؛ ومتى لم تكن الحال هذه، فاللطف واجب. وقد حكي عنه الرجوع عن هذا المذهب" (?).

من كلام القاضي: يظهر لنا أن شيوخه المتقدمين كانوا يطلقون القول بوجوب الألطاف، وأنه يرى أنه لا وجه لذلك؛ بل لابد من تقسيم اللطف إلى ثلاثة أقسام:-

الأول: أن يكون اللطف متقدماً على التكليف، وهذا القسم لا يجب، ويعلل ذلك؛ بأن اللطف يتضمن إزاحة علة المكلف، ولا تكليف هناك، ولأن اللطف يجري مجرى التمكين، والتمكين قبل التكليف لا يجب، فكذلك اللطف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015