وأيضاً: فقد أجمع المسلمون على أنه لا يقال: إن لله تعالى قدرتين، فبطل ما قلتم.

وأما تأويلكم لليد بالنعمة، فإنه يؤدي إلى أن يكون الله تعالى خلق آدم بنعمتين، وهذا لا يجوز، لأن نعم الله على آدم وغيره لا تحصى، ولأنه لا يقال في اللغة: رفعت الشيء بيدي، وهو يعني نعمته. ومما يدل على فساد تأويلكم: أنه لو كانت اليد المراد بها القدرة أو النعمة لما غفل عن ذلك إبليس أن يقول: وأي فضل لآدم علي يقتضي أن أسجد له، وأنا قد خلقتني بيدك: التي هي قدرتك أو نعمتك، ومعلوم أن الله تعالى فضل آدم عليه بخلقه بيديه: فلابد أن تكون اليدان شيئاً غير القدرة أو النعمة، ليكون للتفضيل وجه؛ وذلك يدل على فساد تأويلكم (?).

خامساً: العين:

ورد في القرآن الكريم آيات تثبت العين لله تعالى، كقوله تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي طه: 39.وقد أولها المعتزلة بالعلم، لأن إثبات العين – في اعتقادهم – يؤدي إلى التجسيم. يقول القاضي عبدالجبار: و"المراد بقوله تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي أي: لتقع على الصنعة على علمي" (?).

المناقشة:

يقال لهم إن تأويل العين بمعنى العلم باطل لما يلي:

1 - أن الأصل في الكلام الحقيقة، وصرفه عن الحقيقة إلى المجاز يحتاج على دليل، ولا دليل لديكم إذا يبقى المعنى الظاهر فيلزم إثباته بلا تكييف، وهو أن لله عيناً على ما يليق بجلاله.

2 - إن إثبات العين لله تعالى صفة كمال، ونفيها عنه صفة نقص، ولما كان سبحانه وتعالى هو الأحق بالكمال المنزه عن النقائص، وجب إثبات هذه الصفة كما وردت.3 - ورد في الكتاب والسنة اطراد هذه الصفة، ومن علامات الحقيقة عندكم الإطراد، فيلزم إثباتها (?).4 - ورد عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – في الحديث المروي عنه أنه قال: (( ... وإن ربكم ليس بأعور ... الحديث)) (?). فنفى – صلى الله عليه وسلم – عن ربه صفة العور، وهذا يدل على ثبوت العينين له تعالى حقيقة (?).

5 - ثم إنه لا يلزمنا من إثبات العين لله تعالى حقيقة: تجسيم، أو تشبيه؛ لأنا لم نقل كعين المخلوق؛ بل نقول إن له تعالى عيناً على ما يليق بجلاله. وأيضاً فإنا وإياكم اتفقنا على أن لله تعالى قدرة ولم يستلزم ذلك تجسيماً، ولا تمثيلاً، فكذلك إثبات صفة العين لله تعالى على ما يليق بجلاله لا يستلزم تجسيماً. وبذلك يظهر بطلان تأويلكم العين لله تعالى بمعنى العلم. والله أعلم.

سادسا: الساق:

ورد في القرآن الكريم آيات تشير إلى أن لله ساقاً كقوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ... الآية [القلم: 42]. وقد أول المعتزلة الساق: بالشدة. يقول القاضي عبدالجبار: "المراد بالساق في قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ... الآية [القلم: 42] الشدة، يبين ذلك أنه تعالى يصف هول يوم القيامة وشدته جرياً على عادة العرب، فهو بمنزلة قولهم: قامت العرب على ساقها" (?).

المناقشة: إن تأويل المعتزلة للساق بمعنى الشدة باطل، لأن الأصل في الكلام الحقيقة لا المجاز، وقد قال تعالى يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ... الآية [القلم: 42]. فتبين من هذا: أن الله يكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء، وهي على ما يليق بجلاله، وليست كساق المخلوقين، فلا يلزمنا التشبيه كما تزعمون، ولا يلزمنا التحريف كما لزمكم (?).

¤المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق - ص 138

طور بواسطة نورين ميديا © 2015