ومعلوم بطلان هذا، فما يؤدي إليه مثله. خامساً: أما تأويل بعضكم الوجه بمعنى الثواب؛ فإنه من أبطل الباطل؛ إذ أن اللغة لا تحتمل ذلك، ولم يعرف أن الجزاء يسمى وجهاً للمجازي، ثم إن الثواب مخلوق، فقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه استعاذ بوجه الله. عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – قال: ((لما نزلت هذه الآية: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ ... الآية [الأنعام: 65] قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: أعوذ بوجهك. فقال: أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ فقال صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك ... الحديث)) (?). ولا يظن برسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يستعيذ بمخلوق (?).

سادساً: أن الوجه ورد مضافاً إلى الذات في جميع موارده، والمضاف إلى الرب نوعان:

الأول: أعيان قائمة بنفسها كبيت الله.

الثاني: صفات لا تقوم بنفسها كعلم الله وحياته وقدرته وعزته وسائر صفاته، فهذه إذا وردت مضافة إليه تعالى؛ فهي إضافة صفة إلى الموصوف بها. إذا عرف ذلك؛ فوجهه الكريم إذا أضيف إليه وجب أن تكون إضافته إليه إضافة وصف لا إضافة خلق (?).

سابعاً: إن تفسير وجه الله بقبلة الله، وإن قاله بعض السلف، فإنما قالوه في موضع واحد، وهو قوله تعالى: وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ... الآية [البقرة: 115]. ولو فرض صحته هنا: فإنه لا يصح في سائر المواضع. إضافة على ذلك: أنه لا يتعين حمله على القبلة والجهة في قوله تعالى: .... فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ..... [البقرة: 115] ولا يمتنع حمله على وجه الرب حقيقة. وأيضاً: فإنه لا يعرف في اللغة الوجه بمعنى القبلة؛ بل للقبلة اسم يخصها، للوجه اسم يخصه، فلا يدخل أحدهما في الآخر، ولا يستعار اسمه له. ثم إنه لو كان المراد بوجه الله قبلة الله، لكان قد أضاف إليه نفسه القبل كلها (?). وهو باطل فما يؤدي إليه مثله.

رابعاً: اليد:

ورد في القرآن الكريم آيات تدل على أن لله يداً، كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ... الآية [الفتح: 10]. وقوله تعالى: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ... [ص: 75]. وقوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ... الآية [المائدة: 64].وقد رفض المعتزلة ما تدل عليه الآيات من إثبات اليد لله تعالى؛ لذلك أولوها بالقدرة أو القوة أو النعمة (?).يقول القاضي: "إن اليد في قوله تعالى: .... لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ... [ص: 75] بمعنى القوة؛ وذلك ظاهر في اللغة، يقال: ما لي في هذا الأمر "يد" أي: قوة .... " (?).ويقول في موضع آخر: "إن اليد في قوله تعالى: ... بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ... [المائدة: 64]. بمعنى النعمة ... " (?).

المناقشة:

إن تأويل المعتزلة لليد بالنعمة أو القدرة باطل، وبيان ذلك: أن الله تعالى قال: .... بِيَدَيَّ ... ، وهذا يقتضي إثبات يدين، هما: صفة له، فلو كان المراد القدرة، لوجب أن يكون له تعالى قدرتان، وأنتم تقولون: إن للباري – سبحانه وتعالى – قدرة واحدة، فكيف يجوز أن تثبتوا له تعالى قدرتين؟!.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015