فنقول: البيت محرف، ولو لم يكن محرفاً، فإنه دليل عليكم لا لكم. يقول ابن القيم – في جملة رده على من فسر الاستواء بالاستيلاء -: "إن هذا البيت محرف، وإنما هو هكذا: بشر قد استولى على العراق ... ثم قال: ولو صح هذا البيت، وصح أنه غير محرف؛ لم يكن فيه حجة؛ بل هو حجة عليهم، وهو على حقيقة الاستواء، فإن بشراً هذا كان أخا عبدالملك بن مروان، وكان أميراً على العراق، فاستوى على سريرها، كما هو عادة الملوك ونوابهم أن يجلسوا فوق سرير الملك مستوين عليه، وهذا هو المطابق لمعنى هذه اللفظة في اللغة، كقوله تعالى: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ... الآية [الزخرف: 13] وقوله تعالى: ... وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [هود: 44] ... " (?).وأيضاً، فإنه لو كان استوى في البيت بمعنى استولى كان المفروض أن يقال: استوى عبدالملك لا بشر؛ لأنه هو الذي له الملك، وإنما بشر أخوه والٍ عنه (?). فدل ما ذكرنا على بطلان تأويل المعتزلة للاستواء بالاستيلاء. والله أعلم.

ثانياً: المجيء:

كذلك ورد في القرآن الكريم آيات تدل على المجيء لله تعالى، كقوله تعالى: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22]. وقد رفض المعتزلة ما تدل عليه الآية من المجيء، لذا أولوها، فقالوا: "وجاء أمر بك ... ".يقول القاضي: "الآية لا تدل على صحة ما يتعلق به المشبهة في أنه تعالى كالواحد منا ... يجيء ويذهب، ولو كان كذلك، لكان محدثاً ... والمراد بالآية: وجاء أمر ربك" (?).

المناقشة:

إن نفي المعتزلة المجيء، وتأويلهم للآية الدالة على ذلك باطل، ويدل بطلان هذا التأويل ما يلي:

أ- إن في سياق الآية ما يبطله، وهو عطف مجيء الملك على مجيء الرب تعالى؛ مما يدل على تغاير المجيئين، وأن مجيئه تعالى حقيقة، كما أن مجيء الملك حقيقة؛ بل إن مجيئه تعالى أولى بأن يكون حقيقة من مجيء الملك.

ب- اطراد نسبة المجيء إليه تعالى دليل على الحقيقة، وقد صرحتم بأن من علامات الحقيقة الاطراد، فكيف كان هذا المطرد مجازاً؟!

ج- إن إضمار ما لا يدل اللفظ عليه أو ادعاء حذف ما لا دليل عليه، يرفع الوثوق بالخطاب، ويفتح الباب لكل مبطل في ادعاء إضمار ما يصحح باطله. د- إن صحة اللفظ واستقامة التركيب لا تتوقف على هذا المحذوف؛ بل الكلام مستقيم بدونه، فإضماره خلاف الأصل، فلا يجوز (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015