فحقيقة قولهم - إذا كما أسلفت -: تعطيل الباري جل وعلا عن صفاته العلا كلها، وجمهورهم يقولون: إن الله عالم، قادر، حي بذاته، لا بعلم، ولا قدرة، ولا حياة (?).واعتبر بعضهم تلك الصفات عين الذات، فادعى أنه - تعالى - عالم بعلم هو هو، وقادر بقدرة هي هو، وحي بحياة هي هو (?).والفرق بين القولين: أن الأول ينفي الصفات كلها، والثاني يثبت الصفة على أنها بعينها ذات، ويثبت الذات على أنها بعينها صفة (?)، وهو نفي للصفة في الحقيقة، بل ونفي للذات أيضا.
وللمعتزلة حجتان بنوا عليهما نفي الصفات:
أولاهما: حجة التركيب: وملخصها عند المعتزلة: أن إثبات صفات أزلية قديمة لله تعالى، زائدة على ذاته، يجعل الصفة تشارك الذات في القدم الذي هو أخص أوصاف الذات - عندهم -. فيقتضي تعدد القدماء، وهو تركيب ينافي التوحيد - بزعمهم-.وأول من عرف عنه الأخذ بهذه الحجة - من المعتزلة -: واصل بن عطاء (?)، فقد كان ينفي الصفات، زاعما أن إثباتها يؤدي إلى تعدد القدماء، ويدعي أن ذلك شرك خلاف التوحيد، وكان يقول: "من أثبت معنى، وصفة قديمة فقد أثبت إلهين" (?).
وثانيهما: حجة الأعراض: وعنها سيكون الحديث في هذا المطلب - بعون الله.
والمعتزلة يأخذون بكلتا الحجتين، ويبنون عليهما تعطيل الباري جل وعلا عن صفاته.
وقد جمع أبو الحسين الخياط المعتزلي بين هاتين الحجتين، فقال في تحليلهما: "إن الله لو كان عالما بعلم، فإما أن يكون ذلك العلم قديما، أو يكون محدثا.
ولا يمكن أن يكون قديما: لأن هذا يوجب وجود اثنين قديمين، وهو تعدد، وهو قول فاسد. ولا يمكن أن يكون علما محدثا: لأنه لو كان كذلك، يكون قد أحدثه الله؛ إما في نفسه، أو في غيره، أو لا في محل.
فإن كان أحدثه في نفسه: أصبح محلا للحوادث، وما كان محلا للحوادث فهو حادث. وهذا محال.
وإذا أحدثه في غيره: كان ذلك الغير عالما بما حله منه دونه؛ كما أن من حله اللون فهو المتلون به دون غيره. ولا يعقل أن يكون أحدثه لا في محل: لأن العلم عرض لا يقوم إلا في جسم. فلا يبقى إلا حال واحد، وهو أن الله عالم بذاته" (?).
أما حجة الأعراض: فقد تقدم شرح الدليل عند المعتزلة آنفا، واتضح قولهم: بـ "حدوث الأجسام" لملازمتها للأعراض، أو بعضها؛ كالحركة والسكون، والاجتماع والافتراق.