ومما تقدم يعلم أن مقولة "لا يضر مع الإيمان أو مع التوحيد ذنب، وأنه لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد"، إن صحت نسبتها لأحد، فهي لغلاة المرجئة، كما قال شيخ الإسلام. وهذا الوصف "غلاة المرجئة" يطلقه شيخ الإسلام على الجهمية، وعلى الواقفة الذين يتوقفون في نفوذ الوعيد، وعلى الغلاة الذين يجزمون ينفيه (?).
فأما الجهمية، فتقدم أنهم يعدون مرتكب الكبيرة مؤمنا كامل الإيمان، ويقرون بخروجه من النار، وأنه لا يخلد فيها، وأن نزاعهم فيه في الاسم لا في الحكم كما قال شيخ الإسلام.
وأما الواقفة، فسيأتي تحرير مذهبهم في المبحث الخامس من هذا الفصل بعون الله تعالى. فلم يبق حينئذ سوى غلاة المرجئة الذين تنسب إليهم تلك المقولة، وقد ذكر الأشعري عن فرقة من المرجئة لم يسمها أنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان عمل، ولا يدخل النار أحد من أهل القبلة (?).وذكر الشهرستاني عن فرقة اليونسية أنهم يقولون: إن ما سوى المعرفة من الطاعة ليس من الإيمان، ولا يضر تركها حقيقة الإيمان، ولا يعذب على ذلك (?).وعامة الكتب المقالات لم يذكروا هذه المقالة عن اليونسية، وإنما ذكرها بعض من جاء بعد الشهرستاني (?)، فقد يكون نقلها عنه، والله أعلم. وكذلك نسب الشهرستاني إلى فرقة العبيدية أنهم يقولون: إن العبد إذا مات على توحيده لم يضره ما اقترف من الآثام، واجترج من السيئات (?).وهذه الفرقة لم يسبق الشهرستاني أحد بذكرها، وتابعه بعض من جاء بعده (?)، فيبقى في نسبة المقالة إليهم وقفه.
¤آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية لعبدالله محمد السند - ص 507