ذهبت الجهمية إلى أن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان، وأنه لا يكفر بكبيرته ولا يرتد، وأنه يجتمع فيه الثواب والعقاب، والحمد والذم، وأن من أهل الكبائر من يدخل النار، ولا يخلد فيها.
هذه هي مقالة الجهمية في متركب الكبيرة، ومنه يتبين أن نزاعهم فيه نزاع في الاسم لا الحكم، وبالتالي فهم موافقون لسائر المرجئة في هذه المسألة.
يقول شيخ الإسلام في تقرير ذلك.
"وكل أهل السنة متفقون على أنه - يعني مرتكب الكبيرة - قد سلب كمال الإيمان الواجب، فزال بعض إيمانه الواجب لكنه من أهل الوعيد. وإنما ينازعون في ذلك من يقول: الإيمان لا يتبعض، من الجهمية، والمرجئة، فيقولون: إنه كامل الإيمان" (?).
ويقول: "الناس في الفاسق من أهل الملة - مثل: الزاني، والسارق، والشارب، ونحوهم - ثلاثة أقسام: طرفين، ووسط"، ثم ذكر الطرف الأول، وهم الخوارج والمعتزلة ومقالتهم في مرتكب الكبيرة، ثم قال:
"الطرف الثاني: قول من يقول إيمانهم باق كما كان لم ينقص؛ بناء على أن الإيمان هو مجرد التصديق والاعتقاد الجازم وهو لم يتغير، وإنما نقصت شرائع الإسلام. وهذا قول المرجئة، والجهمية، ومن سلك سبيلهم" (?).
ويقول: "وقالت المرجئة، مقتصدتهم، وغلاتهم، كالجهمية: قد علمنا أن أهل الذنوب من أهل القبلة لا يخلدون في النار، بل يخرجون منها، كما تواترت بذلك الأحاديث. وعلمنا بالكتاب والسنة وإجماع الأئمة أنهم ليسوا كفار مرتدين، فإن الكتاب قد أمر بقطع السارق لا بقتله، وجاءت السنة بجلد الشارب لا بقتله، فلو كان هؤلاء كفارا مرتدين لوجب قتلهم" (?).
ويقول: "وإنما أوقع هؤلاء كلهم - يعني المرجئة - ما أوقع الخوارج والمعتزلة في ظنهم: أن الإيمان لا يتبعض، بل إذا اذهب بعضه ذهب كله. ومذهب أهل السنة والجماعة: أنه يتبعض، وأنه ينقص، ولا يزول جميعه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثال ذرة من الإيمان)) (?).
فالأقوال في ذلك ثلاثة:
الخوارج والمعتزلة: نازعوا في الاسم والحكم، فلم يقولوا بالتبعيض، لا في الاسم ولا في الحكم، فرفعوا عن صاحب الكبيرة اسم الإيمان بالكلية، وأوجبوا له الخلود في النار.
وأما الجهمية، والمرجئة: فنازعوا في الاسم لا في الحكم، فقالوا: يجوز أن يكون مثابا معاقبا، محمودا مذموما، لكن لا يجوز أن يكون معه بعض الإيمان دون بعض" (?).
ويقول: "وقول المعتزلة، والخوارج، والكرامية، في اسم الإيمان والإسلام أقرب إلى قول السلف من قول الجهمية، لكن المعتزلة والخوارج يقولون بتخليد العصاة، وهذا أبعد عن قول السلف من كل قول، فهم أقرب في الاسم وأبعد في الحكم. والجهمية وإن كانوا في قولهم بأن الفساق لا يخلدون أقرب في الحكم إلى السلف، فقولهم في مسمى الإسلام والإيمان وحقيقتهما أبعد من كل قول عن الكتاب والسنة، وفيه من مناقضة العقل والشرع واللغة ما لا يوجد مثله لغيرهم" (?).
هذه هي مقالة الجهمية في مرتكب الكبيرة حسبما جاء عند شيخ الإسلام رحمه الله، وقد ذكر شيخ الإسلام أن بعضهم يتوقف في حصول الوعيد في مرتكب الكبيرة.